صعوبة تحقق مستهدفات المركزي المصري من الرفع الكبير للفائدة
قام البنك المركزي المصري برفع معدل الفائدة بنسبة 3 في المائة الخميس الماضي، وهو معدل فاق توقعات الخبراء الذين توقعوا رفعه للفائدة، لتصل نسبة الفائدة على الودائع لمدة ليلة لديه إلى 16.25 في المائة، وفائدة الإقراض منه للبنوك لمدة ليلة 17.25 في المائة، ومع قيام البنوك بإضافة هامش للفائدة عند إعادة إقراضها لتلك المبالغ للعملاء من الشركات والأفراد ما بين 2 إلى 3 في المائة عادة، يتوقع بلوغ نسبة فائدة الإقراض لهم أكثر من 20 في المائة.
واستهدف البنك المركزي من رفع الفائدة تقليص السيولة الموجودة في الأسواق، سعيا نحو تحقيق هدفين رئيسيين؛ أولهما يخص معدل التضخم المرتفع، والثاني يخص سعر الصرف للجنيه أمام الدولار، بالإضافة إلى هدف ثالث يخص محاولة استعادة الأموال الساخنة التي خرجت من مصر خلال الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي.
وفيما يخص استهداف خفض معدل التضخم من خلال رفع معدل الفائدة، يسعى المركزي من خلال رفع الفائدة إلى تشجيع الجمهور على إيداع ما لديهم من فوائض بالبنوك للاستفادة من تلك العوائد المرتفعة، بدلا من إنفاقها على شراء السلع والخدمات، بما يؤدى لخفض الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي تراجع معدلات التضخم المرتفعة حاليا.
أما بالنسبة لسعر الصرف فإن رفع الفائدة على الودائع بالجنيه المصري إلى حوالي 16.5 في المائة لشهادات الإيداع الثلاثية بعد الرفع الأخير، مقابل فائدة 5.3 في المائة على شهادات الإيداع بالدولار الأمريكي، يمكن في اعتقاد المركزي أن يدفع بعض حائزي الدولار إلى تحويله إلى جنيه مصري، للاستفادة من فارق سعر الفائدة بين الودائع بالجنيه والودائع بالدولار.
4 مرات لرفع الفائدة خلال العام
ويضاف لذلك أن تقليص السيولة في أيدي الجمهور، يقلل من فرص توافر فوائض لديه يمكنه استغلالها لشراء الدولار من السوق السوداء، سواء للاحتفاظ به تحوطا لنقصه مستقبلا، أو لادخاره أو للمضاربة به في الأسواق للاستفادة من الزيادة المتكررة بسعره في السوق السوداء عن الأسعار الرسمية في البنوك.
أيضا يمكن أن يتسبب رفع الفائدة في اجتذاب تجار الفائدة في الأسواق الدولية، سواء بالإيداع في البنوك المصرية أو بشراء أدوات الدين الحكومي، الأعلى في معدل الفائدة بالمقارنة بالفوائد المصرفية في بلدانهم أو بعوائد السندات المصدرة في تلك البلدان، الأمر الذي يعيد قدرا من الأموال الساخنة الأسرع دخولا كي تساهم في سد جانب من العجز الدولاري في الجهاز المصرفي، الذي بلغ 22.8 مليار دولار حتى تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وجاءت خطوة رفع الفائدة بنسبة ثلاثة في المائة الأسبوع الماضي، كخطوة مكملة لثلاث عمليات رفع للفائدة خلال العام الحالي، بدأت في آذار/ مارس بنسبة واحد في المائة، ثم في أيار/ مايو بنسبة 2 في المائة، ثم بنفس النسبة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لتصل نسب رفع الفائدة خلال المرات الأربع إلى 8 في المائة.
وكان البنك المركزي في سعيه لتقليص السيولة من الأسواق، سواء في عهد محافظ البنك المركزي الحالي الذي تولى منصبه قبل أربعة أشهر أو في فترة المحافظ السابق له، قد سار في مسارات أخرى إلى جانب رفع الفائدة لتقليص السيولة، منها استمراره في ربط ودائع البنوك لدى البنك المركزي خلال عمليات أسبوعية نظير عائد محدد أو متغير، إلى جانب نسبة الاحتياطي الإلزامي التي تلتزم البنوك من خلالها بوضع نسبة من الودائع بالعملة المحلية لديها في البنك المركزي بدون عائد، وهي النسبة التي رفعها المحافظ الجديد في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي من 14 في المائة إلى 18 في المائة.
كذلك قام المحافظ الحالي بإلغاء مبادرة تمويل الصناعة والزراعة والمقاولات وانشطة أخرى، والتي كانت تقدم قروض بفائدة 8 في المائة أي أقل من الأسعار السائدة في السوق وذلك في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كذلك تم خفض معدلات إصدار النقد من قبل البنك المركزي مؤخرا، والتي كانت قد زادت قيمتها بنحو 108 مليارات جنيه خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الحالي، بمتوسط شهري 13.5 مليار جنيه، لتقتصر الزيادة خلال الشهرين التاليين حتى تشرين الأول/ أكتوبر، على 7.1 مليار جنيه بمتوسط شهري 3.6 مليار جنيه.
معدل التضخم أعلى من سعر الفائدة
ويظل السؤال الرئيس: هل ينجح البنك المركزي في تحقيق أهدافه من رفع الفائدة خاصة فيما يخص سعر الصرف، خاصة أن رفع سعر الفائدة عام 1991 الذي شهد اتفاقا مع صندوق النقد الدولي قد ساهم في تحقيق استقرار سعر الصرف حين ذاك؟
والإجابة أن هناك صعوبات تواجه البنك المركزي المصري لتحقيق مستهدفاته من رفع الفائدة بتلك النسبة العالية التي سبق له استخدامها بنفس المعدل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، قبيل اتفاقه مع صندوق النقد الدولي حينذاك، لكن معدلات التضخم حينذاك أخذت اتجاها صعوديا بعد رفع الفائدة مما تطلب رفعين آخرين للفائدة عام 2017، ورغم تلك الزيادات في الفائدة احتاج الأمر لنحو عامين ونصف حتى عاد معدل التضخم ليتكون من رقم واحد.
وفيما يخص الفترة الحالية فإن أعلى معدل للفائدة على شهادات الادخار ثابتة العائد، لمدة ثلاث سنوات في البنوك الحكومية تصل إلى 17.25 في المائة، وبعد رفع الفائدة الأخير رفعت البنوك العامة والخاصة أسعار الفائدة على شهادات الإيداع الثلاثية لديها بنفس النسبة البالغة 3 في المائة، لتصل الفائدة بها إلى ما بين 13 و16.5 في المائة كأعلى عائد، بينما أشارت بيانات البنك المركزي لبلوغ نسبة التضخم خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي 21.5 في المائة، وحسب بيانات جهاز الإحصاء الحكومي 18.7 في المائة.
أي أن معدل التضخم ما زال أعلى من سعر الفائدة بعد الرفع الأخير لها، ما يعنى أن المودع يحصل على فائدة حقيقية سلبية، مما دفع الكثيرين للاتجاه إلى أوعية استثمارية أخرى كالعقار والبورصة والذهب أو التجارة أو العملات لتحقيق عوائد تفوق معدل التضخم، وهو ما تحقق لحائزي الدولار الذين حققوا أرباحا بنسبة 57 في المائة، منذ بداية العام وحتى نهاية الأسبوع الماضي حسب أسعار الصرف الرسمية، وزادت نسبة الربح عن ذلك حسب أسعار الصرف في السوق السوداء.
التضخم ناتج من العرض وليس من الطلب
وفى ظل إعلان مديرة بعثة صندوق النقد الدولي في القاهرة عن بدء مصر تنفيذ سعر الصرف المرن بشكل دائم مع بداية العام الجديد، تُتوقع زيادة جديدة في أسعار السلع، إلى جانب توقع رفع جديد في أسعار المشتقات البترولية، واستمرار رفع أسعار الخدمات الحكومية ومنها رفع سعر تذكرة قطار القاهرة الإسكندرية قبل أيام. وهو ما يكرر ما حدث مع الاتفاق مع الصندوق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، حين بلغ معدل التضخم خلال الشهر حسب جهاز الإحصاء 20.2 في المائة، ورغم زيادة الفائدة 3 في المائة خلال الشهر فقد استمر التضخم بالارتفاع خلال الشهور التالية، حتى بلغت نسبته 34.2 في المائة بشهر تموز/ يوليو من العام التالي.
وهكذا فإن سعر الفائدة الحالي غير كاف لجذب المودعين، ولهذا نتوقع زيادات أخرى بسعر الفائدة خلال النصف الأول من العام المقبل، لملاحقة ارتفاع معدل التضخم.
أمر آخر يخص توقع عدم فاعلية رفع الفائدة لخفض التضخم، هو أن التضخم الذي يفلح رفع سعر الفائدة يكون مصدره ناتجا من كثرة الطلب على السلع والخدمات، بينما تعاني الأسواق المصرية من حالة من الركود منذ أكثر من عامين، وزادت حدتها مؤخرا حسب مؤشر مديري المشتريات، مما يعني أن سبب التضخم يعود للعرض وليس إلى الطلب، أي يعود إلى ارتفاع أسعار السلع خاصة المستوردة.
وهذا هو الرأي الذي استند إليه محافظ البنك الجديد نفسه في بيانه لتبرير تثبيت سعر الفائدة، عند اجتماع لجنة السياسة النقدية في أيلول/ سبتمبر الماضي، لكن ضغوط صندوق النقد الدولي واشتراطه رفع الفائدة قبل اعلان موافقته على طلب مصر الاقتراض منه، دفع المحافظ للتخلي عن رأيه بأن مصدر التضخم هو العرض وليس الطلب، ليقوم برفع الفائدة بنسبة 2 في المائة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ليتم إعلان الموافقة على مستوى الخبراء على القرض بنفس اليوم، ثم جاء الرفع الأخير للفائدة بنسبة 3 في المائة استجابة لطلب الصندوق أيضا، حسبما جاء في بيان مجلس مديري الصندوق الخاص بموافقته على القرض.
توقع استمرار السوق السوداء بضعة أشهر
أما فيما يخص تأثير رفع الفائدة على تحويل بعض حائزي الدولار، ما لديهم من دولارات إلى الجنيه المصري للاستفادة من فارق سعر الفائدة بين العملتين، فهو أمر غير متوقع حاليا لأن ربح حيازة الدولار لا يقتصر على عائد الإيداع فقط، وإنما هناك ربح آخر متمثل في زيادة سعر صرفه والذي حقق ربحا كبيرا لحائزيه، والذين يتوقعون خفضا جديدا بسعر صرف الجنيه أمام الدولار مع بدايات العام الجديد، وبالتالي لن يتخلوا عن الدولار حاليا.
وإذا كان هؤلاء يتوقعون حسب تأكيد رئيسة بعثة صندوق النقد بالقاهرة خفضا جديدا لسعر الجنيه أمام الدولار بالأسعار الرسمية، فإنهم يتوقعون أيضا استمرارا لنشاط السوق السوداء الأعلى سعرا خلال الشهور المقبلة، خاصة مع كبر قيمة العجز الدولاري في الجهاز المصري البالغ حوالي 23 مليار دولار، بينما بلغت قيمة القسط الاول من قرض الصندوق 347 مليون دولار تم استهلاك معظمها في سداد قسط من قرض قديم للصندوق، كما أن قيمة الدعم الذي ستحصل عليه مصر من دول ومؤسسات دولية وإقليمية والبالغ 14 مليار دولار خلال نصف عام، لا يكفي لسد العجز الدولاري في البنوك، رغم أنه ليس كله قروض وإنما جانب منه بيع أصول.
ولم يفلح قرض عام 2016 الذي تم بمصاحبة قروض من دول وبنوك ومؤسسات أخرى بنفس القيمة؛ في القضاء على السوق السوداء إلا بعد مرور ستة أشهر، رغم الحصول حينذاك على أموال ساخنة بلغت أرصدتها 4.7 مليار دولار خلال الربع الأول من عام 2017، وزيادة الأرصدة إلى 10.4 مليار دولار منتصف العام، الى جانب زيادة أرصدة السندات الخارجية بنحو أربعة مليارات دولار خلال الربع الأول من عام 2017، ثم زيادتها بنحو 2.3 مليار دولار بالربع الثاني من العام، لتصل قيمة السندات في النصف الأول من العام إلى 6.3 مليار دولار.
وهكذا نجد أنه رغم قروض الصندوق والجهات الأخرى والأموال الساخنة والسندات الخارجية حينذاك، فقد ظلت السوق السوداء مستمرة لستة أشهر حتى نيسان/ أبريل 2017، فما بالنا الآن مع قرض أقل قيمة من الصندوق، وعدم إمكانية طرح سندات دولية حاليا نظرا لارتفاع سعار الفائدة في العالم، وعدم توقع قدوم أموال ساخنة حاليا مع أسعار الفائدة المرتفعة حاليا في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وإنجلترا وغيرها من الدول الكبرى، وتوقع استمرار تلك الدول في رفع الفائدة خلال العام المقبل نظرا لاستمرار ارتفاع معدلات التضخم بها.
كما أن الأموال الساخنة إذا كان هناك فرق حالي كبير في الفائدة يجذبها لمصر، فإن الفائدة الحقيقية ما زالت سلبية بالقياس لمعدل التضخم، كما أنها ستنتظر حتى يستقر سعر الصرف حتى لا تخسر من خلال تغير سعر الصرف جانبا كبيرا مما ستربحه من ارتفاع سعر الفائدة، وهو انتظار يحتاج لبضعة أشهر حتى تستقر الأمور نسبيا.
عربي 21