«مندس» على الطريقة الأردنية
مرة أخرى … ليس صحيحا أنه لا يوجد حل، فالحل يبدأ عند مصارحة الناس والتحدث معهم بشفافية عن أوضاع الخزينة المالية.
ويبدأ عند الإجابة على كل الأسئلة العالقة، عندما يتعلق الأمر بذلك الجدل والنقاش الذي يسترسل بحوار الطرشان في الحالة الأردنية وانتهى مؤخرا، وهو ما سبق أن حذرنا منه، بحالة تجاذب في الشارع.
وليس فقط بمظاهرات واعتصامات سلمية في بعضها وعنيفة وخشنة، ولا تليق بالشعب الأردني في بعضها الآخر، لكن سقط الدم أيضا فيما كل ما نسمعه من كبار المسؤولين هو الإجابة بسؤال استنكاري على الأسئلة التي يطرحها في سياق الوضع المعيشي المواطن البسيط والغلبان.
المسؤول هنا دوما يجيب بنفس الصيغة: امنحوني البدائل … ما هي الحلول؟ ما الذي ينبغي أن أفعله؟
تلك أسئلة ترتدي لبوس «حسن النية» وهي جزء أساسي من العصب الحيوي للإشكال، فلو كان المواطن الأردني العادي، سواء من الذين تظاهروا أو الذين صمتوا ويمثلون الأغلبية الصامتة، يعرف ما هو الحل لما تحرك إلى الشارع.
وإذا كنا في لحظة يعرف فيها البسطاء والعامة ما هي الحلول، فالحاجة غير ملحة لا لوجود حكومة ولا لوجود برلمان ولا وزراء أو نواب وأعيان، لأن هؤلاء جميعا وظيفتهم وواجبهم الإجابة على هذه الأسئلة وليس المواطن، فما هي الحاجة لوجود مؤسسات ودولة ونخب تتقاضى رواتب مرتفعة جدا وتركب سيارات مع حراسات وتستنزف المنظومة الأمنية في البلاد لصالحها، ولصالح مصالحها الضيقة أحيانا، فيما يطالب العامة بالحلول والمقاربات والمعالجات.
خطابي هذا موجه لكبار المسؤولين والوزراء: الحل أيها السادة الكرام يبدأ من استنكاركم لطرح مثل هذا السؤال لا بل التوقف عن طرحه والانشغال خلف الستارة والكواليس للقيام بواجباتكم، ويظهر الحل عند عدم إلقاء مثل هذا السؤال كقنبلة دخانية بين أرجل مواطنين حائرين تلتهمهم تقلبات السوق ولا تزيد دخولهم وترتفع الأسعار عليهم فيما تنقص الاحتياجات الأساسية التي كانت قد تكفلت بها الدولة منذ اللحظة الأولى جراء عقد اجتماعي يعرفه الجميع، جزء منه مكتوب والجزء الآخر غير مكتوب.
المواطن الأردني لا يطرح شعارات انقلابية على دولته والمواطن الأردني هويته الوطنية واضحة الملامح ولا يطرح تساؤلات لها علاقة بالشرعية، وأجزم أن أي مواطن أردني لا يريد الوقوف على رصيف الاحتجاج بأي لحظة من اللحظات لو شعر بالإنصاف. وبما أن الإنصاف مكلف وفاتورته عالية فليشعر المواطن الأردني بأن لديه حكومة ونخب ومؤسسات تتولى الإجابة على الأسئلة بدلا من طرحها.
وأزعم بالمقابل بأن الجزء الأخطر والأكثر حساسية بارتفاع الهتاف والنقد الآن في المشهد الاجتماعي الأردني ينبع أو ناتج عن تلك العبارات التهكمية التي تسخر منا وضمنيا من وجع الإنسان البسيط، وهي تحاول طرح أسئلة عليه بصيغة الاستنكار يعلم الجميع أن الإجابة عليها واجبة من الدولة والإدارة العليا وليس من المواطن.
بكل حال ليس من واجب المواطنين ولا الصحافيين ولا السياسيين ولا المعارضين حتى ولا الحراكيين أيضا توفير إجابات يفترض أنها موجودة عند أذهان وعقول كبار المسؤولين، بقدر انسجامهم مع احتياجات ومتطلبات أدوارهم ووظائفهم التي اختيروا بطرق غامضة.
يتطلب المشهد اليوم التوقف عن طرح مثل هذه الأسئلة الساذجة التي تمتلئ بالأحابيل والمراوغة واللف والدوران، عندما تطرح لأنها تسعى لإرباك المواطن ولإبلاغه بأن الدولة ليست لديها حلول بعد 100 عام أو بعد مئويتها الأولى. وبالتالي لا بد من إعادة تأطير وتنميط ونقاش الطريقة التي يتحدث فيها المسؤولون مع المواطن الأردني قبل الغوص في وحل الحديث عن الاستقرار العام والنقاش حول رسائل مزعومة ومفبركة توجه لزعامات في دول مجاورة هنا أو هناك، و قبل الحديث عن أجندات ومندسين وفبركات يفترض أن تنتهي تلك الفبركة عند النخب المسؤولة أو التي تم اختيارها بدون إرادة شعبية في غالبية الأحوال.
حسنا هل يتواجد مندسون في المشهد اليوم؟..نعم على الأرجح لكن من هم لا أحد يعلم.
قلناها في الماضي ونكررها كان ينبغي على الدولة في الانتخابات على الأقل أن تخرج من المعادلة وتوقف كل مطبات وكمائن العبث بالأصوات والنتائج والهندسة حتى يتحمل الشعب الأردني مسؤوليته بالمقابل عن خياراته، وحتى يجد نوابا ووزراء يمثلونه وقد اختارهم هو بالاقتراع الحر، ويستطيع سؤالهم أو مراجعتهم أو حجب الثقة عنهم في أي لحظة، وإسقاطهم من مواقعهم مادامت الأمور ليست في إطار الديمقراطية والتمثيل الديمقراطي ومادام الأعيان والنواب والوزراء وكبار الموظفين يختارون أصلا بطرق بعيدة عن خيارات الناس، لا بل غير مفهومة في معظم الأحوال. وبالتالي ما دام الأمر كذلك يجب أن تتولى الجهات التي تفلتر المناصب والوظائف أو تعيد انتاجها لا بل تتداولها في إطار عوائل من المغامرين إداريا والمراهقين وطنيا في بعض الأحيان حتى لا نقول في معظمها يجب أن تتوقف تلك الأسئلة.
القدس العربي