حديث عن الزلزال
ثلاثون كيلو مترا طول الطريق الذي اصطفت فيه سيارات وآلات ثقيلة مجهزة للتعامل مع الزلزال وسط وصول عشرات الفرق الأجنبية ، ناهيك عن استنفار امكانيات تركيا الهائلة وجيشها وصناعاتها وسياحتها لإسعاف المصابين والتخفيف عنهم ولإنقاذ من هم تحت الردم .
مشاهد مروعة ومؤلمة تلك التي نشاهدها منذ ايام لعائلات في العراء وجثامين أو أحياء تئن في المصاب والبرد والجوع انتظارا للمنقذين الذين يأتون ولا يأتون .
وعلى الجانب الآخر في اللاذقية وطرطوس وجبلة وغيرها من مناطق سيطرة الحكومة فإن المساعدات ما انقطعت البتة منذ اليوم الأول من مختلف البلدان العربية والأجنبية ، وقضى في الزلزال الذي لا يفرق بين سوري وآخر المئات وإصيب مثلهم ، ولا زال انتشال الجثث مستمرا .
أما في الشمال السوري وسيطرة المعارضة ، فإن المشهد مختلف تماما ، والألم أشد وأقوى وأفدح والجرح أكثر نزفا .
حتى مساء السبت ، موعد كتابة هذه المقالة ، لم تصل أي مساعدات لمئات العائلات التي جثم الردم على صدورها ، وإذا كان اللاجئون والنازحون يعانون أصلا من شظف العيش وبرد الشتاء وقلة الدواء والغذاء قبل الزلزال ، فما بالكم بعده ، ولم يشهد معبر باب الهوى - وهو المعبر الوحيد للوصول إلى هؤلاء - اي مساعدات غذائية أو طبية من جهة ، سوى التي كانت مبرمجة أصلا قبل الزلزال ، والأهم لم يشهد المعبر اي مرور لفرق إنقاذ أو آليات ثقيلة تساعد في انتشال الجرحى إن لم نقل الجثث المطمورة تحت الصخور .
مأساة شمال سوريا هي ذاتها من حيث المصاب مع مأساة تركيا ومأساة طرطوس واللاذقية وجبلة وغيرها ، ولكنها مأساة من نوع خاص : صورة أليمة أكثر ، وحزينة أكثر ، وباهتة أكثر ، ودامية أكثر .. تتحدث عن نفسها بنفسها بدون رتوش ، تجسد سفرا جديدا من اسفار شعب تعرض لأبشع أنواع الآلام بمختلف أشكالها ، وها هو يقطب جروحه بيديه المكسورة وهو عربي القلب والدين واللسان .
الأمم المتحدة تتذرع بالسياسة وبأنه غير مسموح لها إنقاذ شمال غرب سوريا إلا بتصريح لم يأت بعد ، في وقت عجز فيه مجلس الأمن عن الإجتماع ليقرر أن القضية إنسانية وأن المعابر الأخرى يجب أن تفتح فورا .
كان السوريون يهتفون بداية الثورة من فوق الأنقاض : ما لنا غيرك يا ألله ، وها هم بعد مضي 11 عاما يرتلون من تحت الأنقاض : ما لنا غيرك يا ألله ..
ويل للعرب ، من شر قد اقرب .
جي بي سي نيوز