ذعر منطاد الصين العظيم
حتى قبل أسبوعين، لم يكن الطقس على الارتفاعات العالية والمناطيد البحثية، التي نعلم جميعاً أنها هناك في الأعلى تباشر جميع أنواع الأمور غير الشائنة، ظاهرا حتى على شاشات رادار المخاطر العامة. لكنها الآن تحولت بالتأكيد إلى لمبة وامضة وساطعة على شاشة مخاوفنا.
في غضون بضعة أسابيع فقط، حلقنا عاليا إلى منطقة «الذعر الكامل للمنطاد».
وجدنا منطاداً كان مرتبطاً - وفق الحكومة الأميركية - بالجيش الصيني، يحوم فوق قواعد الصواريخ النووية في مونتانا. تدلى من هذا الجهاز جميع أنواع المعدات الإلكترونية، وجرى إسقاطه - عندما كان الأمر آمنا - فوق المحيط.
بعد ذلك، رُصدت ثلاثة أجهزة أخرى فوق ألاسكا وكندا وبحيرة هورون وأسقطت جميعها أيضا، رغم أن التفتيش الدقيق من قبل طياري المقاتلات وجد أنهم لا يحملون أسلحة يمكن تمييزها، وليست لديهم أنظمة دفع يمكن تحديدها، وليست لديهم قدرة واضحة على نقل أي شيء.
كيف يمكن لهذا التهديد أن يتحول من «لا شيء» إلى «يا للهول!» بهذه السرعة؟ لقد اتضح أننا متأهبون غريزياً لمزيد من القلق بشأن المخاطر الجديدة، ولكثير من عدم اليقين بشأن المخاطر المعتادة، وفقا لبحث أصدره عالم النفس بول سلوفيتش وغيره. توصف هذه الأجهزة بأنها «أجسام جوية مجهولة»، ويعترف المسؤولون بأنهم لا يعرفون ما إذا كان هناك المزيد منها في الخارج.
كما أننا قلقون أكثر بشأن المخاطر التي تذكرنا بالأشياء التي تعلمنا الخوف منها بالفعل، لا سيما تلك التي نخشاها أكثر من غيرها، مثل الحرب النووية. يأتي منطاد التجسس وسط توتر متزايد بين الولايات المتحدة والصين، اللتين لا يتواصل جيشاهما كما اعتادا من قبل. إذ إن التواصل يساعد على التأكد من أن الأمور الصغيرة، مثل مناطيد التجسس، لا تتحول لأزمات كبيرة.
بالنسبة لبعض الناس، تُذكرنا هذه الأيام القليلة الماضية بأوقات أخرى شعرنا فيها بالخوف من شيء من الأعلى في سياق التهديد بالحرب النووية. ففي عام 1957، أطلق الاتحاد السوفياتي «سبوتنيك 1» - كرة معدنية صغيرة بأربعة هوائيات ترسل إشارات ضعيفة، إلى الفضاء – بوصفه أول قمر صناعي من صنع البشر. كنت في السادسة من عمري فقط، ويمكنني تذكر بصورة عميقة مدى الخوف الذي ساد البلاد جميعها. كنا جميعا نتفحص السماء، ونشعر بالقلق. بالطبع، كانت هناك أسلحة منطادية فعلية استخدمت ضد الولايات المتحدة.
خلال الحرب العالمية الثانية، استخدم خبراء الأرصاد الجوية اليابانيون التيار النفاث لتحليق 9300 منطاد «فو – جو» مزودة بقنابل مضادة للأفراد وقنابل حارقة باتجاه ألاسكا والساحل الغربي الأميركي. وتكمن الفكرة في إضرام النار في الشمال الغربي الأميركي. وسقط نحو 300 منطاد منها، معظمها في غابات رطبة، وبالتالي لم تتسبب في أضرار تُذكر. ولم يُثر ذلك الهجوم إنذاراً شعبياً ضخماً لأن الصحافة لم توله قدراً كبيراً من الاهتمام، بل إن الحكومة قللت من قدره كثيراً، نظراً لما يجري من أمور أخرى.
كما أن «ذعر المنطاد» يستغل خوفنا وهوسنا باحتمال زيارة الأرض من كائنات فضائية غريبة. يُدق جرس الخوف بمنتهى السهولة. إن الهلع الذي أحدثه برنامج أورسون ويليس الإذاعي «حرب العوالم» عام 1938 كان أسطورياً. ولا يزال فيلم 1951 «اليوم الذي صمدت فيه الأرض» يعتبر من الكلاسيكيات. وكانت أفلام الزوار الفضائيين المعاصرة مثل فيلم «إي تي: السكان الكونيون» (1982)، وفيلم «يوم الاستقلال» (1996)، وفيلم «حرب العوالم» (2005)، جميعها من الأفلام الرائجة جماهيريا، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها أشاعت هذا التهديد عبر عقول «الزواحف» لدينا.
سيكولوجية إدراك المخاطر تساعدنا في فهم السبب. يشير البنتاغون إلى هذه الأجهزة الأخيرة باعتبارها «ظاهرة شاذة مجهولة». ويُطلق البيت الأبيض عليها اسم «الأجسام الجوية المجهولة». وبصورة أكثر شيوعا، نُسمي هذه الأشياء «يوفو» أو الأجسام الطائرة المجهولة. الكلمة المشتركة في الأسماء الثلاثة السابقة هي «مجهول»، أي غامض. ونحن لا نعرف ماهية هذه الأشياء الثلاثة، ولا من أين أتت، وماذا كانت تفعل. تذكروا، نحن قلقون أكثر بشأن المخاطر كلما تدنى فهمنا لها، وشعرنا بقوة أقل لحماية أنفسنا.
يعمل إدراك المخاطر على تغذية مخاوفنا بطريقتين: مباشرة، في كل واحد منا.
وأيضا بطريقة غير مباشرة، لأن الناس في عالم الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، يدركون أن ما يُقلقنا يحظى باهتمامنا. عن طريق رفع مستوى التحذير والمبالغة في القلق، يمكن للصحافة زيادة الوعي وزيادة إشراق الضوء على رادار المخاطر العاطفية لدينا.
ربما يصدر «ذعر المنطاد» قريبا مفترضا أن حطام الأجهزة الثلاثة غير ضار.
لكنه يوفر فرصة عظيمة للاعتراف بأن إدراك المخاطر في حد ذاته محفوف بالمخاطر.
ينتهي بنا المطاف إلى الخوف من بعض الأشياء التي تثير عوامل الخوف النفسي، كما أننا أحيانا نتخوف بشكل خطير من أشياء أخرى بناء على العوامل النفسية التي تستجلبها. والواقع أن هذه «الفجوات في إدراك المخاطر» تلحق ضرراً حقيقياً. فكروا في كيفية مشاركتنا بشكل مريح في المخاطر التي تقلقنا بشكل أقل لأننا نأخذها طوعاً، مثل التدخين أو الرسائل النصية والقيادة.
يمكننا الاستفادة من هذا الإدراك الذاتي. يجب أن تدرك وسائل الإعلام الإخبارية والاجتماعية أنها تلعب وتنشر تقارير عن المخاطر مع تحمل مزيد من المسؤولية. ويمكننا جميعا إدراك أننا عندما نقوم بفرز ما نخشى منه، فإن أفضل شيء نقوم به هو الهدوء والتأني، وتجنب القفز إلى استنتاجات مبنية على المشاعر وغير مستنيرة، ونوفر لعملياتنا المعرفية الأكثر حذرا صوتا أعلى. هذه هي أفضل طريقة للحفاظ على سلامتنا.
في الوقت نفسه، فإن أي شخص يُفكر في إطلاق مناطيد الطقس، قد يرغب في الانتظار لبضعة أسابيع.
* مؤلف ومحاضر متقاعد في جامعة هارفارد
الشرق الاوسط + «نيويورك تايمز»