أميركا... صراع مع الفقر
لو أننا طبقنا نهج الباحث جون بول «النهج العالمي المستهدف» للقضاء على الفقر، وهو نهج يتضمن تحديد هدف والاعتراف بأن مجموعات محددة من السكان تحتاج إلى تدخلات مميزة لتحقيق هذا الهدف، فسيكون موقفنا تجاه سياسات مكافحة الفقر المختلفة هو تبني «كلا» الاتجاهين، أي تحديد الهدف والاعتراف بتلك المجموعات المحددة. نحن لسنا بحاجة هنا إلى حلول جديدة لهذه المشكلة بقدر ما نحتاج إلى عقلية جديدة، وإلى التزام متجدد بتحقيق ازدهار واسع.
معدل الفقر النموذجي في أميركا صفر. فلماذا نقبل بأقل من ذلك؟ لماذا نقبل بعبارات رتيبة مثل «هذا أفضل ما يمكننا فعله» التي استحوذت على نقاشات عدم المساواة في السنوات الأخيرة؟ قال لي القس ويليام باربر الثاني، أحد رؤساء حملة الفقراء، ذات مرة: «علينا أن نتحدى المأساة، والكارثة، والحلول الوسط».
عندما أطلقت إدارة الرئيس جونسون «حرباً غير مشروطة على الفقر في أميركا» في عام 1964 لم يكن ذلك مجرد خطاب نبيل. فقد حددت موعدا للقضاء على الفقر؛ حيث أعلن سارجنت شرايفر، مدير «مكتب الفرص الاقتصادية»، أن «التاريخ المستهدف للقضاء على الفقر في هذه البلاد» سيكون عام 1976، الذي يصادف الذكرى المئوية الثانية لإعلان استقلال الولايات المتحدة. وذكرني دوريان وارين، مدير مؤسسة التغيير المجتمعي، قائلاً: «كانت لدينا يوماً طموحات بشأن القضاء على الفقر»، ويمكننا إحياء هذا الشعور بالعزيمة والإصرار.
لذلك؛ بدلا من انتظار تحرك الكونغرس، يجب البدء في التحرك بأنفسنا. فالقضاء على الفقر ليس مجرد مشروع سياسي، بل مشروع شخصي أيضا. ولنجعل الأمر أسهل على المبتدئين بكلمات بسيطة، فمثلما يتسوق كثير منا الآن ويستثمر بطرق تراعي وتعالج تغير المناخ، يمكننا أن نفعل الشيء ذاته مع التركيز على العدالة الاقتصادية. يمكننا، إن استطعنا، مكافأة الشركات التي تعامل موظفيها بشكل جيد، وتجنب الشركات ذات السجل الحافل بتحدي النقابات واستغلال منتسبيها. ولكي نفعل ذلك، يمكننا استشارة منظمات مثل «بي لاب»، التي تمنح اعترافاً بالشركات التي تلبي المعايير الاجتماعية والبيئية العالية، وأيضا شركة «يونيون بلس» التي تراعي قوائم منتجاتها بالنهج نفسه.
يمكن لهذه القرارات اليومية أن تفضي إلى شيء ما. فإذا تبنى كثير منا القضاء على الفقر نهجا للعيش - ولرؤية العالم وتصور عالم أفضل – فسوف ينتشر هذا السلوك، وهو ما يمكن أن يعيد تعريف ما هو مقبول اجتماعيا وما هو ممكن. إذا وجد عدد كاف منا أساليب لإظهار عدم وقوفنا مع هذا القدر الكبير من الإفقار، فسنمارس ضغوطا تصاعدية على مديري الشركات والمنتجين، مما يخلق موجة من الإرادة السياسية ودعوات متجددة للإصلاح.
يعيش ثلث سكان الولايات المتحدة في أسر تكسب أقل من 55 ألف دولار سنويا. لا يتم احتساب كثير منهم رسميا بين الفقراء، ولكن هناك كثير من المصاعب الاقتصادية فوق خط الفقر، مثلما أن هناك مصاعب أكثر أسفل الخط. فبحسب «مقياس الفقر التكميلي»، الذي تمثله المساعدات الحكومية ودعم نفقات المعيشة، كان أكثر من شخص واحد من بين كل 25 شخصاً في الولايات المتحدة يبلغ من العمر 65 عاماً أو أكثر يعيش في فقر مدقع في عام 2021؛ ما يعني أنه سيتعيَّن عليهم مضاعفة دخلهم مرة على الأقل للوصول إلى خط الفقر.
برامج مثل مساعدة الإسكان وطوابع الغذاء تعتبر فعالة وضرورية، إذ إنها تحمي ملايين الأسر من الجوع والتشرد كل عام. لكن الولايات المتحدة تكرس موارد أقل بكثير لهذه البرامج كحصة من ناتجها المحلي الإجمالي، مقارنة بالدول الديمقراطية الغنية الأخرى، التي تضع أميركا في مرتبة مشينة خاصة بها وحدها على المسرح العالمي.
* أستاذ علم اجتماع بجامعة «برينستون»
الشرق الاوسط + خدمة «نيويورك تايمز»