هل سيسجن ترامب؟
يواجه دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق، أكثر من ثلاثين تهمة في لائحة اتهام من هيئة محلفين كبرى في مقاطعة مانهاتن، في ولاية نيويورك، ويرى بعض المراقبين أنه سيتعين على ترامب الكفاح في وقت واحد من أجل حريته ومستقبله السياسي، مع التصدي للتهديدات القانونية التي يحتمل أن تكون أكثر خطورة، بما في ذلك التحقيقات في محاولاته وحلفائه الانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وكذلك إخفاء مئات الوثائق السرية في نادي مار إيه لاغو المملوك له في بالم بيتش بولاية فلوريدا. وهذه هي المرة الأولى في التاريخ الأمريكي التي يواجه فيها رئيس حالي أو سابق اتهامات جنائية، إذ من المتوقع أن يمثل ترامب أمام المحكمة يوم الثلاثاء المقبل 4 نيسان/أبريل.
تم تقديم لائحة الاتهام مختومة وسيتم الإعلان عنها في الأيام المقبلة. التهم ليست معروفة للجمهور حتى الآن، إذ أجرى مكتب المدعي العام لمقاطعة مانهاتن، ألفين براغ ، تحقيقات مع الرئيس السابق في ما يتعلق بدوره المزعوم في خطة دفع أموال للتستر على فضيحة علاقته بنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز في أواخر حملته الرئاسية عام 2016، فقد اعترف مايكل كوهين محامي ترامب بدفع مبلغ 130 ألف دولار لدانيلز لإبقائها صامتة بشأن ما وصفته بأنه لقاء جنسي مع ترامب، بعد أن التقيا في إحدى بطولات الجولف الشهيرة. ومن ثم تم دفع الأموال لكوهين من قبل مؤسسة ترامب، التي كافأته بمكافآت ومدفوعات إضافية وصلت الى 420 ألف دولار مسجلة داخليا كجزء من مصروفات الحملة الانتخابية. وقد اتهم المدعي العام الفيدرالي في نيويورك في نهاية المطاف مايكل كوهين عام 2018 بانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية، بحجة أن المدفوعات كانت بمثابة مساعدة غير مسموح بها لحملة ترامب الرئاسية. واعترف كوهين بالذنب في تلك الاتهامات، وأبلغ عن عدة عمليات تهرب ضريبي لمؤسسة ترامب وقضى مدة حكمه في السجن الفيدرالي.
مع تصاعد جهود الرئيس الأمريكي السابق لحشد أتباعه وهو يتهيأ لخوض التنافس الانتخابي الرئاسي العام المقبل، بدا أن خصومه يعدون العدة لتقديمه للمحاكمة في عدة جنايات ارتكبها خلال المدة الماضية. الإجراءات القانونية ضد ترامب تدفع الحملة الرئاسية لعام 2024 إلى مرحلة جديدة من التوتر، حيث تعهد الرئيس السابق بمواصلة الترشح، ومواجهة التهم الجنائية في وقت واحد. وكثيرا ما وصف ترامب التحقيقات المختلفة التي تعرض لها بأنها «مطاردة الساحرات»، وقد أصدر ترامب بيانا رداً على لائحة الاتهام زعم فيه أنها كانت «اضطهادا سياسيا، وتدخلا في الانتخابات على أعلى مستوى في التاريخ»، وقال الرئيس السابق:»أعتقد أن مطاردة الساحرات هذه سوف تأتي بنتائج عكسية على جو بايدن»، وإن «الشعب الأمريكي يدرك بالضبط ما يفعله اليسار الراديكالي الديمقراطي هنا. يمكن للجميع رؤية مؤامراتهم، لذا فإن حركتنا وحزبنا متحدان وقويان، وسوف نهزم ألفين براغ أولاً، ثم سنهزم جو بايدن، وسنطرد كل واحد من هؤلاء الديمقراطيين المحتالين من مناصبهم حتى نتمكن من جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، وفي بيان ينفي الاتهامات، قال محاميا الدفاع عن ترامب، سوزان نيكيليس وجوزيف تاكوبينا «دونالد ترامب لم يرتكب أي جريمة، ونحن سنحارب بقوة هذه الملاحقة السياسية في المحكمة». وفي محاولته للتأثير في الرأي العام، صور ترامب نفسه على أنه ضحية لما زعم أنها تحقيقات سياسية يقودها الادعاء العام الذي يسيطر عليه الديمقراطيون. كما انتقد ألفين براغ واصفا المدعي العام لمقاطعة مانهاتن، وهو أسود، بالعنصرية ضد البيض، وقد حث ترامب أنصاره على الاحتجاج على اعتقاله، إذا ما تم، وهذا الأمر ذكّر المراقبين بما فعله الرئيس السابق بعد خسارته انتخابات 2020 حيث كان يحاول الانقلاب على خسارته أمام الرئيس جو بايدن، حتى إن كان ذلك يتطلب اللجوء الى الفوضى ومهاجمة المؤسسات الدستورية، لذلك طلبت إدارة شرطة نيويورك مطلع شهر أبريل الجاري من 36 ألف ضابط حشد كامل قوتهم والاستعداد للرد على أي احتجاجات أو اضطرابات محتملة.
تجنب ترامب منذ فترة طويلة العواقب القانونية في حياته الشخصية والمهنية والسياسية، وقام بتسوية العديد من الدعاوى المدنية على مرّ السنين، وشق طريقه للخروج من النزاعات المتعلقة بمؤسسة ترامب، الشركة التي تحمل اسمه. وفي سابقة في التاريخ الأمريكي تعرض ترامب للمحاكمة وطلب العزل مرتين من قبل مجلس النواب بقيادة الديمقراطيين، لكنه تجنب إدانته نتيجة دعم مجلس الشيوخ الذي كان تحت سيطرة أغلبية جمهورية بسيطة. الحزب الجمهوري من جانبه احتشد للدفاع عن ترامب مجددا، إذ أدان حلفاء ترامب ومنافسوه الجمهوريون مكتب المدعي العام في مانهاتن بسبب لائحة الاتهام التي تلوح في الأفق. وقال نائب الرئيس السابق مايك بنس في مقابلة مع محطة CNN: «أعتقد أن توجيه الاتهام غير المسبوق لرئيس الولايات المتحدة السابق، بشأن قضية تمويل الحملات الانتخابية هو بمثابة غضب»، وأضاف «يبدو لملايين الأمريكيين أن الأمر ليس أكثر من محاكمة سياسية يقودها المدعي العام، الذي ترشح فعليا للمنصب بناءً على تعهد بتوجيه الاتهام إلى الرئيس السابق». كما تعهد رئيس مجلس النواب النائب الجمهوري كيفين مكارثي بفتح تحقيق في الأمر، وسرعان ما احتشد الجمهوريون في الكونغرس للدفاع عن ترامب، وهاجموا المدعي العام لمقاطعة مانهاتن ألفين براغ واتهموه بأنه يقوم بعملية «مطاردة ساحرات سياسية». وقد غرد رئيس السلطة القضائية في مجلس النواب جيم جوردان من ولاية أوهايو، وأحد رؤساء اللجان الجمهوريين الذين طالبوا براغ بالإدلاء بشهادته أمام الكونغرس بشأن التحقيق مع ترامب الذي وصفه بأنه أمر «فاحش». كما وصف المنافس الرئيسي المتوقع لترامب في الحزب الجمهوري، حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، لائحة الاتهام بأنها «غير أمريكية» في بيان لم يذكر اسم ترامب فيه بشكل واضح. هل يمكن أن يذهب ترامب إلى السجن؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الكثير من الناس، ما سيحصل حسب الاجراءات القانونية المعروفة هو بمجرد أن يتم احتجاز المشتبه فيه الذي تم توجيه الاتهام إليه في حجز الشرطة، تقوم الشرطة أو غيرها من الجهات المسؤولة على إنفاذ القانون بوضع المتهم في حجز آمن، وأخذ بصماته. هذا الإجراء يتم سواء تم القبض على الشخص، أو وافق – أو تفاوض من خلال المحامين – على تسليم نفسه. أول إجراء للمحكمة بعد الاعتقال أو الاستسلام سيكون جلسة استماع للمحاكمة في قاعة محكمة مانهاتن. في المحاكمة، سيحدد القاضي ما إذا كان ترامب سيحتاج إلى دفع كفالة، أو الالتزام بقيود معينة في انتظار المحاكمة، أو يمكن الإفراج عنه من دون كفالة أو قيود، وهو ما يُعرف بإطلاق سراح بناء على التعهد الشخصي. ومن المرجح أن يرافق الرئيس السابق عند تسليم نفسه للشرطة، شون كوران وكيل الخدمة السرية الخاص المسؤول عن حماية ترامب.
يُعتقد أن المدعي العام ألفين براغ كان يفكر في اتهامات اخرى يوجهها الى دونالد ترامب في المحكمة منها تزوير السجلات التجارية والتهرب الضريبي، وصرف الأموال بصيغ تنتهك قانون تمويل الحملات الانتخابية. خبراء القانون الأمريكي يرون أن نتيجة القضية ستكون جناية منخفضة المستوى، وفقًا لقانون ولاية نيويورك، ويعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى أربع سنوات. ولكن يمكن تخفيض مستوى التهم، أذ تختلف الأحكام من حالة إلى أخرى، وبشكل عام، من غير المعتاد أن يُحكم على شخص ليس لديه سجل إجرامي بالسجن لفترات طويلة لارتكابه مخالفة جنائية منخفضة المستوى وغير عنفية، لذا، حتى لو أدين ترامب بارتكاب جناية، فهذا لا يعني بالضرورة أنه سيقضي بعض الوقت في السجن.
وهل ستعيق هذه المحاكمة ترشح ترامب للرئاسة عام 2024؟ يرى المراقبون أنه لم يسبق أن حصل ذلك في التاريخ الأمريكي، وأنه سيُسمح لترامب بالترشح للرئاسة أثناء توجيه الاتهام إليه، أو حتى إذا أدين بارتكاب جريمة، ولا أحد يعرف حتى الان مدى التأثير العملي للقضية الجنائية في ترشيحه، سواء كان ذلك سيساعد أو يضر باحتمالات وصوله إلى البيت الأبيض مرة أخرى. بعض مستشاريه، وفقا لمقال نُشر مؤخرا في «الواشنطن بوست»، قالوا إن هذه أرضية مواتية لترامب، إذ عاد مرة أخرى إلى مركز الاهتمام باعتباره الشخصية المهيمنة في حزبه، لكن المستشارين أقروا أيضا بمخاطر إصدار لائحة الاتهام وقالوا إن الحملة لم تؤد إلى حل الأمور اللوجستية وإن هناك الكثير من التعقيدات في إجراء انتخابات رئاسية ومواجهة محاكمة جنائية في آن واحد.
القدس العربي