سياسة الحكومة الإسرائيلية والموقف الرسمي الفلسطيني
ورد في بيان حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة (مايو/ أيار 2020) أنه «إيماناً بأن للشعب اليهودي الحق الثابت في دولة ذات سيادة في أرض إسرائيل، الأرض القومية والتاريخية للشعب اليهودي، فإن الحكومة تعمل على الحفاظ على الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة». وتأكيداً لذلك، فقد قال في خطابه أمام الكنيست بأنه سوف يمدّ الاستيطان إلى النقب والجليل و»يهودا والسامرة».
وحين جاءت حكومته السادسة، كررت وثيقة التحالف بين مختلف الأجنحة التي تشكلت منها الحكومة والمعلنة بتاريخ 28/12/2022، وفي البند الأول منها «أن للشعب اليهودي الحق الحصري وغير القابل للتصرف بجميع أجزاء أرض إسرائيل» وأن على الحكومة «أن تدعم وتطور الاستيطان في جميع أجزاء أرض إسرائيل، في الجليل، والنقب وفي يهودا والسامرة» وطرحت الوثيقة إضافات جديده منها ـ أولاً- التزام الحكومة الجديدة «كأولوية مطلقة» باستصدار التشريعات التي تحدّ من صلاحيات محكمة العدل العليا، وثانيا، إعادة النظر في أوامر إطلاق النار وجواز استخدام القوة المميتة.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة وافقت على إنشاء ما يسمى بـ«الميليشيا الوطنية» (أو الحرس الوطني) وهي عصابة من المجرمين خريجي السجون ومافيات الشوارع للتنكيل بالفلسطينيين حصراً
ولنا عوده لهذه الإضافات إلاّ أننا نرغب في هذا المقال في البحث عن الصمت الرسمي للقيادة الفلسطينية من هذه السياسات الرسمية المعلنة والثابتة للحكومة الإسرائيلية، لاسيما وقد تكررت هذه السياسات في حكومتين متتاليتين. إن ما تشرّعه حكومة نتنياهو السابقة والحالية هو «حق الشعب اليهودي» في «أرض إسرائيل»، وهذه تعابير محددة ومنتقاة وقد وردت في «إعلان تأسيس الدولة» في 14/5/1948، وهي لم ترد في بيانات الحكومة على سبيل التفاخر، بل سبق أن تمت صياغتها في قانون القومية، وهو «قانون أساس» صدر في عام 2018، أي أنه قانون دستوري ملزم للحكومة والكنيست كما هو ملزم للقضاء، وعلى أذرع الدولة الثلاث تنفيذ ما ورد فيه. وللعلم، فقد أقرّت محكمة العدل العليا هذا القانون، في قرار صدر في عام 2021. وتعبير «الشعب اليهودي» ليس مرادفاً لتعبير «الشعب الإسرائيلي،» والأخير هو تعبير مؤقت، وعلى ذلك جاءت قرارات محكمة العدل العليا التي رفضت تسجيل جنسية يهودي من يوغسلافيا، على أنه «إسرائيلي» فقط، وقالت الجنسية الإسرائيلية جنسية مؤقتة، إذ أن الأصل هي الجنسية اليهودية. ومؤدى ذلك ـ كما هو معروف – أن أي يهودي في العالم له «حق» في أرض فلسطين ومصادرها الطبيعية، ويستطيع أن يمارس هذا «الحق» متى شاء. وقننت إسرائيل هذا «الحق» في قانون العودة الصادر في عام 1950، الذي أعلن أن لكل يهودي الحق في «العودة» إلى فلسطين، وهذا الحق أسمى من أي حق لأي شخص أو شعب آخر بمن في ذلك الفلسطينيون. وتعبير «في أرض إسرائيل» ليس مقتصراً على «إسرائيل»، كما عرّفها قرار التقسيم في عام 1947، ولا كما هي معرّفة في اتفاقيات الهدنة لعام 1949. إن تعبير «أرض إسرائيل» هو أكبر بكثير من «إسرائيل»، بل أكبر من «الضفة الشرقية» لنهر الأردن (الذي يطلق عليه الصهاينة مقولة خبيثة تسمى «الوطن البديل») لأنها تشمل أراضي سوريا ولبنان وتمتد شرقاً إلى خط حديد الحجاز. وقد ورد تعريفها رسميا في الكتاب السنوي للحكومة الإسرائيلية لعام 1955 وهو مطبوعة حكومية.
إذا فهمنا هذه التعابير بدقه وعلم، فأين تقع أراضي اتفاقية أوسلو، التي قسمت المناطق إلى «أ» و»ب» و»ج»؟ أو بالأحرى أين موقعها من «أرض إسرائيل»؟ وإذا كان الجواب ان مناطق «أ» تكون خارج «أرض إسرائيل»، فهل يعني هذا أن المدن الفلسطينية الواقعة في مناطق «أ»، مثل جنين ورام الله ونابلس والخليل وغيرها سوف تتحول إلى مدن مختلطة ومقطعة الأوصال، كما هو حال حيفا ويافا والناصرة وغيرها؟ إن تعليقاً رسمياً واحداً لم يصدر عن ذوي الشأن المقيمين في مقاطعة رام الله – وهو صمت لافت للنظر، بل إنه صمت ينطوي على الريبة، أم أن «صمتها قبولها»، اعتصاماً بالقاعدة الشرعية؟ إذ ليس من المعقول أو المقبول أن تصدر حكومتان إسرائيليتان سياسات يوافق عليها الكنيست، وهي سياسات تنفي وجود «الشعب الفلسطيني» وتنفي عنه «حق السكن والإقامة» بله حق العودة، في أرضه التاريخية، ولا يصدر تعليق فلسطيني رسمي على ذلك، ولم تتم الدعوة لاجتماع جامعة عربية ـ مثلاً- أو الدعوة لقمة عربية لإعادة النظر في مبادرتها لعام 2002، بل أكثر من ذلك، أن إسرائيل تصرّ على ارتكاب سلسلة من الجرائم الدولية مثل «الاستيطان» والتأسيس لنظام «أبارتهايد» والإصرار على مواصلة «الاحتلال» دون أن يصدر عن مقاطعة رام الله تعقيب أو تعليق، ولا نقول إدانة حرصاً على الشعور العام. وتأكيداً لذلك فإن رئيس الوزراء نتنياهو يستغرب كيف يكون مستوطناً في «أرضه»، وكيف تكون المستوطنات «غير شرعية» وهي تبني على أرض «الشعب اليهودي»؟ وما زال ذوو الشأن يصرون على التمسك بالمفاوضات. فماذا بقي من اتفاقية أوسلو وسماسرتها يا أهل أوسلو؟
بل أكثر من ذلك، في الحكومة الأخيرة، أسند لسموتريتش، من ضمن مهام أخرى، مهمة تولي الإدارة المدنية، ولكننا كنا قد قرأنا في اتفاقيتي أوسلو الأولى والثانية، أنه بعد أن يتم نقل الصلاحيات من الإدارة المدنية الى سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية، التي عرفت في ما بعد باسم «السلطة الفلسطينية»، تنحل الإدارة المدنية، إذ لم يعد لها أي دور بعد أن نقلت صلاحياتها إلى السلطة الفلسطينية. والان يتولى سموتريتش صلاحية هذه الإدارة المدنية، أي أن سموتريتش يكون ـ رسمياً- هو مصدر صلاحيات السلطة الفلسطينية، أي هو رئيسها الأسمى. فماذا يبقى للسلطة الفلسطينية؟ وهل من سبب لاستمرارها بعد أن عاد صاحب الصلاحية الأصلية إلى الموقع؟ إن هذا يفترض أن التنسيق الأمني، المقدس منه وغير المقدس، لم يعد مطلوباً، بل قد تصبح السلطة وتنسيقها الأمني غير ذي بال، إذ أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة قد وافقت على إنشاء ما يسمى بـ»الميليشيا الوطنية» (أو الحرس الوطني) وهي عصابه من المجرمين خريجي السجون ومافيات الشوارع للتنكيل بالفلسطينيين حصراً.
ومرة أخرى، ران الصمت على رؤوس ذوي الشأن في مقاطعة رام الله. فماذا تقولون لشعبكم دام فضلكم؟
كاتب ومحام فلسطيني
القدس العربي