إسرائيل في ظل انقسام صهيوني داخلي
دولة وجدت ولن تبقى، هذا حال الأمم والشعوب وسنة الخالق في الأرض، وهذا اعتراف قادة إسرائيل بقولهم إن عمر دولتهم شارف على النهاية، الأحداث التي شهدتها إسرائيل في الفترة الأخيرة هي دليل قاطع على عمق الخلاف السياسي والأيديولوجي بين مكونات الأحزاب الإسرائيلية، فعندما قامت الدولة قبل حوالي سبعة عقود ونيف على أرض فلسطين التاريخية كان جهابذة الكيان في أوج غرورهم، جاء ذلك بعدما انتصروا على سبعة جيوش عربية مجتمعة.
في سياق تلك الصورة تنص عقيدتهم العسكرية وما زالت على المباغتة في الحرب، والحرب الخاطفة، ووضع شروط السلم حسب الرؤية الصهيونية وفكر جابوتنسكي، وقد نجحوا لحد بعيد في فرض الأمر الواقع على ما يسمونه دول الطوق، فثمة رؤى لدى القادة السياسيين أن النكبة وتبعاتها تركت آثارا سلبية لدى الشعوب العربية والإسلامية على حد سواء، فيما يتعلق باستخدام العصا والتلويح بالترسانة العسكرية لديهم. عمر النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني طويل على شعب مشتت في المخيمات في الداخل والخارج، لكنه قصير على من سرق الأرض وسخر كل ما تنتجه فلسطين لصالحه البحر، والأنهار، والجبال، والروابي، والسهول، والأرض الغناء.
لقد أقيمت هذه الدولة وشيّدت دون أن يتكلف الاحتلال شيئا، فهي الأرض التي تنتج العسل المصفى، ومن خيرات فلسطين تصدر دولة الاحتلال أجود أنواع ممن ما تخرجه الأرض، ومن جوفها تستخرج المياه لري مزروعاتهم، والتي تشكل نسبة لا بأس بها من دعم موازنتهم الحربية والتي من خلالها يحاربون بها الشعب الفلسطيني أينما حل وارتحل.
النكبة مجرد ذكرى
لقد كتب المثقفون كثيراً عن استقلال الصهاينة وكيانهم، ونكبة الشعب الفلسطيني التي حلت به، وما زالت أقلامهم تمعن في تاريخ النكبة، ولكن ثبت أن القلم وحده لا يغير في توجيه الرأي العام العربي والإسلامي حول المسرى والمقدسات في القدس وغيرها، وبقيت ذكرى النكبة مجرد يوم يتذكره ما انكوى بنيرانه النكبة، عندما نتجول في شوارع المخيمات وأزقتها نشاهد حجم المعاناة والقهر في وجوه من يسكن المخيمات، والبؤس الذي يبدو على أسارير وجوههم، هكذا يبدو الحال الفلسطيني منذ عام 1948 حتى اليوم، فمفاتيح البيوت التي رحلوا عنها قسراً ما زالت تشهر في وجه الظلم والعدوان فهذه رسالة للعالم أن الظلم مهما طال فمصيره ينتهي آجلا أم عاجلا.
بطلان الدعاية الإسرائيلية
كتبت عميرة هس في “هآرتس”: الدولة اليهودية هي التي تثبت مرة تلو الأخرى، صدق إدعاءات الفلسطينيين أنه منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.. الصهيونية هي حركة كولونيالية، حيث طرد شعب من وطنِه هو هدفها ونِتاجها الثانوي. فيما يلخص نحاميا شترسلر في “هآرتس” مشهد دولته: عشية عيد الاستقلال يَجدر الإدراك كم نحن نعتمد على الولايات المتحدة، فهي التي تعطينا التفوّق العسكري، الطائرات المتقدمة جداً، مُحركات ودبابات الميركافا والتمويل للقبة الحديدية وصواريخ الحِيتْس، وهي التي تزودنا بأنظمة سلاح بمبلغ 3.5 مليار دولار، وتعاون في المخابرات والعلوم.
أكثر المواقع خطورة
كان الهدف الأوّل للحركة الصهيونية وما زال هو بناء بيت آمن لليهود في العالم، لكنّها لم تحقق الهدف، حيث إسرائيل اليوم هي أكثر المواقع في العالم خطورة على اليهود، بعد أن زجّتهم الصهيونية في صراع دام تبعا لسياساتها الاستعمارية العدوانية العنيفة، فجمعت الشتات اليهودي في العالم تحت حجة أن هذه الأرض التي وعد الرب بها سيدنا إبراهيم، فرغم هذا الشعار الذي رفعته الحركة الصهيونية قبل تأسيسها وبعد مؤتمر بازل في سويسرا إلا أن السواد الأعظم من يهود العالم لم يقتنعوا بهذه الفكرة، فذهبت الحركة إلى طرق تجعلهم يهرولون لفلسطين، وذلك من خلال إطلاق العنان للجمعيات السرية في البلاد العربية وغيرها، لإحداث تفجيرات هنا وهناك، المبتغى من ذلك لإرعاب اليهود في تلك الدول وترحليهم تحت ضربات السيوف، كانت هذه الأماكن تبدو غير آمنة للبقاء فيها، وفعلا كان لهذه الخطوة الخبيثة دور في ترحيل أعداد كبيرة من اليهود في دول العالم نتيجة هذا النهج الخبيث رحل مئات الآلاف من اليهود في أصقاع المعمورة ليحلوا مكان أصحاب الأرض الأصليين.
صمود الشعب
الأيام تمر مر السحاب، فرغم مضي سبعة عقود ونصف من عمر الكيان ما زال الشعب الفلسطيني متشبثا في أرضه، نجده يتذكر تفاصيل التفاصيل عن تاريخها، وهو يروي للأجيال عن تاريخ موغل في القدم، فلهم فيه صولات وجولات، لهم الماضي هنا، والحاضر، والمستقبل، لقد سقطت مقولة أحد كبار قادة إسرائيل “الكبار يموتون والصغار ينسون” إلى الأبد ومهما حاولوا حرف البوصلة إلا أنهم فشلوا في تمرير هذا الشعار.
كاتب فلسطيني
القدس العربي