وعود المعارضة التركية لواشنطن
صرح أونال تشويكوز، كبير مستشاري رئيس حزب الشعب الجمهوري للسياسة الخارجية، في مقابلته مع مجلة نيوزويك الأمريكية، أن تركيا ستوافق على انضمام السويد إلى حلف شمالي الأطلسي "الناتو" في أول قمة للحلف تقام بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في 14 أيار/ مايو القادم، في حال فاز فيها مرشح تحالف الطاولة السداسية المعارض ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، كما أدلى بتصريحات أخرى ترسم ملامح السياسة الخارجية التي ستتبناها أنقرة بقيادة هذا الأخير.
تشويكوز الذي يطمح بتولي حقيبة الخارجية في حكومة كليتشدار أوغلو، ذكر أنهم سيعملون لترميم العلاقات التركية الأمريكية، وسيبحثون عن حل لمشكلة منظومة أس-400 الدفاعية الروسية يزيل المخاوف الأمنية للولايات المتحدة، وسيبذلون جهدا لعودة تركيا إلى برنامج طائرات أف-35، مضيفا أن مجالات تعاون واسعة وآفاقا جديدة ستنفتح أمام العلاقات بين أنقرة وواشنطن إن فاز كليتشدار أوغلو في الانتخابات.
كبير مستشاري رئيس حزب الشعب الجمهوري في حديثه إلى المجلة الأمريكية الشهيرة تطرق أيضا إلى ما سيتغير في تعامل تركيا مع الملف السوري وملف الأزمة الروسية الأوكرانية، وقال إنه من الضروري تأسيس الثقة وفتح قنوات الحوار بين أنقرة ودمشق، مشيرا إلى أن تحقيق ذلك لن يبقي حاجة إلى وجود القوات التركية في الأراضي السورية. كما لفت إلى أن حكومة كليتشدار أوغلو ستذكِّر روسيا بأن تركيا عضو في الناتو.
تصريحات تشويكوز تؤكد أن أنقرة بقيادة كليتشدار أوغلو لن تشترط على ستوكهولم أن تتخلى عن دعم التنظيمات الإرهابية التي تستهدف أمن تركيا واستقرارها ووحدة ترابها، قبل الموافقة على انضمام السويد إلى الناتو. وهذا يعني أنها ستضيع فرصة الضغط على السويد لتسليم عدد من المطلوبين إلى تركيا وستخسر ورقة هامة في مكافحة الإرهاب، دون الحصول على أي مقابل سوى رضا الإدارة الأمريكية.
الأخطر في تصريحات تشويكوز هو ما ذكره حول ضرورة الحوار مع نظام الأسد وانسحاب القوات التركية من سوريا؛ لأنه يتعهد للنظام السوري بتقديم تطبيع مجاني على طبق من ذهب في حال فاز كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، وهو ما ينتظره بشار الأسد بفارغ الصبر، كما أن سحب القوات التركية في الظروف الراهنة يؤدي إلى مخاطر عديدة تشكل تهديدا كبيرا للأمن القومي التركي وتمهد الطريق لاستكمال إنشاء ممر على الحدود التركية يربط شمال العراق بسواحل البحر الأبيض المتوسط؛ وتسيطر عليه وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني بدعم الولايات المتحدة.
ما ورد في مقابلة مجلة نيوزويك مع تشويكوز لم يكن مفاجئا، لأن موقف حزب الشعب الجمهوري من ثورة الشعب السوري معروف، وأنه منحاز لنظام الأسد بكل الأحوال لأسباب مختلفة لا تخفى على المتابعين. كما أن كليتشدار أوغلو لم يكن بإمكانه خوض الانتخابات الرئاسية كمرشح تحالف الطاولة السداسية لولا الدعم الأمريكي له، وبالتالي يضطر الرجل إلى إثبات ولائه بأدلة قاطعة كي يستمر الدعم الخارجي. ومن المؤكد أن "العقل المدبر" الذي جمع الأحزاب الستة التي تحمل آراء مختلفة ومتناقضة، في "تحالف الأقليات" بهدف إسقاط الأكثرية عبر صناديق الاقتراع بعد فشله في إسقاطها بانقلاب عسكري، لن يسمح لمرشح ذاك التحالف، في حال فاز في الانتخابات، باتخاذ قرارات مستقلة تتعارض مع مصالحه وخططه.
هناك أمر آخر، وهو أن الأحزاب الصغيرة في تحالف الطاولة السداسية تقول إن القرارات الهامة في رئاسة مرشح التحالف سيتم اتخاذها بالتوافق بعد مناقشتها من قبل رؤساء الأحزاب الستة. إلا أن الوعود التي قطعها تشويكوز للولايات المتحدة باسم حزب الشعب الجمهوري، دون الرجوع إلى حلفاء الحزب، تدل على أن تلك الأحزاب، كحزب السعادة برئاسة تمل كارامولا أوغلو وحزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان، مجرد ديكور في واجهة التحالف المعارض للحصول على نسبة من أصوات الناخبين المحافظين، وأنها لن تملك حق الفيتو في صنع القرار ورسم السياسة الخارجية التركية.
هذه التصريحات التي أدلى بها كبير مستشاري رئيس حزب الشعب الجمهوري تعني بمجملها أن مرشح تحالف الطاولة السداسية المعارض يتعهد للولايات المتحدة بأن تركيا ستتخلى عن استقلالية قرارها والبحث عن مصالحها القومية في كافة الملفات، لتعود إلى "بيت الطاعة" وتدور في فلك واشنطن. وهو ما يؤكد أن هذه الانتخابات ليست منافسة ديمقراطية بين الحكومة والمعارضة فحسب، بل معركة مصيرية بين قوى الاستقلال التام ومشروع التخلي عنه لصالح الانتداب الأمريكي، وأن هذا الأخير سيسلم حكم البلاد إلى واشنطن لتنضم تركيا من جديد إلى نادي الدول التي تدير شؤونها السفارات الأمريكية.
عربي 21