الصورة الأخيرة في الألبوم الأسدي.. ماذا تقول؟
إن صحّت صورة العائلة الأسدية المنشورة والمتداولة أخيراً (لا يُستبعَد أيضاً أن تكون مفبركة بأوامر العائلة نفسها، فلِقاء عائلي مثل هذا دونه خرط القتاد) فقد اختيرت (أو اشتُغلت) بعناية فائقة، لا شك أنها منتقاة من صور أخرى للحظات قبل أو بعد هذه التي بين أيدينا، والزمن لم يعد زمن الصورة الثابتة، مثل واحدة أخرى شهيرة لعائلة الأسد الأب، الصغيرة، والمندثرة، بالوجوه الصارمة والمشدودة نحو الكاميرا.
ليس على أي محكمة في المستقبل أن تفرّق بين سيدة مزعومة للياسمين، وطريد العدالة الأوروبية، مرتكب المجازر المخضرم، أو مدير مصنع الكبتاغون السوري الكبير.
صورة اليوم صاخبة بالحياة، وقد اختيرت لتقول ذلك؛ لتوحي بحياة عائلية مرحة، متضامنة، مُحِبّة. الوجوه والعيون والإيماءات كلها مشغولة بقول، بتعليق، برد فعل، بضحكة، ورغم وقفتها أمام الكاميرا من أجل صورة، ظلت مشدودة إلى اللحظة العائلية. اختيرت الصورة لتعكس حياة عادية لعائلة سورية عادية، أي: بريئة.
ومثلما عوّدتنا اثنتا عشرة سنة فائتة، حيث كل برهان جديد لن يتمكن من إقناع الطرف الآخر ويدفعه لمراجعة موقفه، بل سيضاف إلى سلة البراهين التي نمتلكها سلفاً؛ الموالون (ومَن في حكمهم من الرماديين) سيحتفلون بالصورة، ويقومون بتسويقها، ويرون فيها علامة انتصارِ دولة المؤسسات، وانتصار حججهم على قوة النظام ومَنَعَتِهِ واستمراره، والضحايا (ولا أقول المعارضة، إذ لا تعبّر هذه تماماً عن الطرف الآخر المقابل) سيتميزون غيظاً من صورة العائلة المافيوزية، أو ربما يشعلون السخرية والنكات.
تريد الصورة أن تعلن انتشاءها بلحظة انتصار تاريخي، ربما لم يكن في الحسبان، وقبل ذلك أن تضيف صورة إلى ألبوم الصور الدعائي، الذي بين أيدي السوريين، صورة تثبت عاديتهم، وانتماءهم إلى عموم الشعب؛ العائلة في محل فلافل في باب توما، أو تتناول الشاورما في حي الميدان الدمشقي، بين جرحى الحرب، إلى ما هنالك من صور مزيفة ومدعية.
تريد الصورة أن تقول إن الشقاقات بين أقطاب السلطة محض خيال، والفضائح مجرد أكاذيب، وأن العائلة تعيش شهر عسل أبدياً.
لكن هذه الصورة تريد أن تضيف أمراً آخر؛ أن الشقاقات بين أقطاب السلطة محض خيال، والفضائح محض أكاذيب، وأن العائلة تعيش شهر عسل أبدياً.
لكن، بالنسبة لنا، تفشل الصورة، العائلة، إلا في إثبات شيء واحد: إنهم متضامنون في القتل، في الجريمة، وليس على أي محكمة في المستقبل أن تفرق بين سيدة مزعومة للياسمين، وطريد العدالة الأوروبية، مرتكب المجازر المخضرم، أو مدير مصنع الكبتاغون السوري الكبير.
بالنسبة لنا، هي مجرد صورة أخرى لن تزحزح شيئاً في يقيننا بأن الصور والأوسمة والتضامن العائلي لن ترتقي بالحثالة إلى مجد العائلة السورية العادية، ولا بمزق الصور بإمكانها أن تصنع ألبوم صور يثير التعاطف أو الحب. نؤمن بشيء واحد لا بد قادم: ستكون الصورة يوماً، قرب أم بعد، برمتها وراء القضبان. وهذا أضعف الإيمان.
الاحتلال السوري للبنان!
يتفوق هذا الفيديو، الذي يصوّر مؤتمراً صحافياً للبنانيين يتناوبون على التصريح ببيانات تحت عنوان «تحرك لمواجهة النزوح السوري» ، على كل ما مرّ معنا من انتهاكات وأقوال عنصرية بحق السوريين والفلسطينيين في لبنان. إنه تقريباً خلاصة العنصرية تجاه اللاجئين السوريين. لم يعد الحديث يدور عن لافتة حزبية، أو تهديد في مشاجرة فردية، فالأساس في الحملة بيانٌ لاتحاد عام لنقابات عمال لبنان. والمؤتمر، بمختلف بياناته، ينسب «مؤامرة» اللاجئين إلى ما يشبه بروتوكولات حكماء صهيون المزعومة. فاللاجئون هم «أكبر تحد وخطر يشهده لبنان منذ تكوينه» ، «تسلل تحت غطاء إنساني وبرعاية دولية ليصبح اليوم احتلالاً ديمغرافياً» ، «أرقام تدل على أن الاحتلال سيطبق بشكل كامل، وبعد أقل من عقد، على كامل مقدرات البلد» ، «نوع من أخطر الاحتلالات»، «أداة للسيطرة على الموارد والنفوذ السياسي»، «تأسست جذور هذا الاحتلال بفعل مؤامرة دولية ومحلية حيكت في بروكسل، أبطالها وعملاؤها الدوليون والمحليون معروفون»، «غزو سوري يمثل تهديداً حقيقياً للهوية اللبنانية والسيادة والوطنية».
ليست هذه زلات لسان، فالعنصرية هنا، والحرب على السوريين، مشروع منظم، حرب معلنة، ستدفع جزءاً من اللبنانيين إلى الاصطفاف والتمترس، ما يعني خطوط تماس جديدة.
وبعد أن يلقي المؤتمرون بكل أسباب الخراب على النازح السوري، القاتل، السارق، المغتصب، الذي ملأ لبنان بأكثر من مئتي ألف ولادة سنوياً، سيعلن» حملة وطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديمغرافي السوري»،» يعقد العزم على المواجهة»، ويتنكب المسؤولية أمام التاريخ والشعب اللبناني.
ليست هذه مجرد كلمات، أو زلات لسان، فالعنصرية هنا، والحرب على السوريين، مشروع منظم، حرب معلنة، ستدفع جزءاً من اللبنانيين إلى الاصطفاف والتمترس، ما يعني خطوط تماس جديدة.
لكن ما يجب قوله إنه «العزم» ، و«التعهد» و»الحملة» الأكثر جبناً، إذ يستهدفون بوضوح الحلقة الأضعف بين السوريين، الأكثر هشاشة، أولئك الذين بلا أسنان، ولا ظهر.
سامي كليب
إذا كان ما زال لديك شك بأن مسلسل الممثل السوري تيم حسن الأخير «الزند» خير ممثل للنظام السوري ودعايته المتقنة، ما عليك إلا أن تشاهد هذه الحلقة من «حوار سامي» لليوتيوبر اللبناني سامي كليب، فهو يقرر أن يقطع انشغالاته السياسية والأمنية والاجتماعية، التي اعتاد التطرّق إليها في برنامجه، وقرر أن يفرد حلقة خاصة لـ «الزند» ، بل على وجه الدقة؛ في مديح المسلسل.
إن كان على اللبنانيين الخشية من مؤامرة بحق بلدهم يمكن لها أن تعيد عهد الوصاية، فمِن سامي كليب، وشركاتِ إنتاجِه، وأمثالهما.
كليب لا يقول شيئاً يستحق قطع سلسلة أفكاره، إنه يمدح وكفى، الممثل، والتصوير، وخصوصاً الشركة المنتجة، بصورة توحي بأن الرجل ما خرج ليقول ما قال إلا بطلب من منتجي العمل، هو الذي لم يعرف عنه اختصاص في شؤون الدراما والتمثيل والفن عموماً.
«الزند» ، كما معظم ما تنتجه الشركة التي يوجه لها كليب التحية والمديح، يمثل دراما الممانعة، والتي بات مثالها الأكثر نصوعاً «الهيبة»، من بطولة الممثل نفسه.
إن كان على اللبنانيين الخشية من مؤامرة بحق بلدهم يمكن لها أن تعيد عهد الوصاية، فمِن سامي كليب، وشركاتِ إنتاجِه، وأمثالهما.
القدس العربي