أحزاب الأردن: ماذا يقول «99 في المئة» من الشعب؟
لا يتعلق الأمر بوجود مصلحة أو حاجة لأن نصدق بقدر ما يتعلق بمساحة مصلحة وطنية يمكن بعد ترسيمها وتأسيسها الالتقاء فيها على أن يحصل المواطن الأردني على حصته بارتياح واسترخاء فيما تحصل الدولة على احتياجاتها وفقا للمفهوم الذي حكم أصلا محتوى مسار التحديث.
الذين يؤسسون لفاصل ما بين الدولة الأردنية وخياراتها ومصالح ودور مواطنيها ورعاياها هم دوما وبالتأكيد طبقة من الانتهازيين الذين يقدرون بأن كلفة الإصلاح والتغيير مرتفعة وبأن مصالحهم الذاتية من حيث بقائها وزيادة حصيلتها مرتبطة بالواقع الموضوعي وبقاء الأمور على حالها.
هؤلاء الانتهازيون يتكاثرون كالفطر ويمكن أن تميزهم في عمان ببساطة، وهم يسترسلون بالتشكيك والتردد ويبدعون تلك الوصفات التي تفترض بأن الشعب بطبيعته غير ديمقراطي، ولا يمكنه الإيمان بالأحزاب السياسية.
ولولا الخشية وبعض ما تبقى من خجل لقال هؤلاء للدولة والناس بأن المواطن الأردني لا تليق به الديمقراطية تفاعلا مع المنطق الأوروبي الدبلوماسي الذي يقول «أولويتنا بالأردن الأمن والاستقرار وليس الديمقراطية».
طبعا تلك كذبة كبرى يرددها فقط المنتفعون وأصحاب المصلحة والذين يعتقدون بأن أي مساحة حرية سياسية تخفف من سطوتهم وتنقص من مكاسبهم.
لا يلام هؤلاء بمثل هذا المنطق بعدما تعربشوا على أكتاف الشعب والدولة لعقود وسنوات، فوسموا الناس بالتخلف والرجعية، ويسطرون على مفاصل القرار بل أخافوا الدولة في عدة مناطق.
أقرأ النسبة المخجلة التي صدرت مؤخرا في استطلاع للجامعة الأردنية على هذا الأساس.
من غير المقبول والمعقول ان تقبل الدولة والناس تلك الصدمة الرقمية التي تقول بعد 11 شهرا من الدعاية والترويج بأن «1 في المئة» فقط من الأردنيين مهتمون بالانضمام للأحزاب التي نتجت عن مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
أثق بأن اجتماعات في المقرات السيادية عقدت وحالات عصف ذهني رتبت لفهم حيثيات مثل هذا الرقم الصادم وأسجل تحية لمن طرح سؤالا مباشرا على المواطنين يقول الحقيقة رقميا لأن النكران كان دوما آفة النخب السياسية ومن يشغلون الوظائف العليا باسم الدولة والناس.
أولوية المواطن هي الهم المعيشي، والفكرة أن الذهن الجماعي للأردنيين عموما، لم يطور بعد أيديولوجيا ثقافية حزبية تقنع العقل الباطني بأن العمل بمسار الأحزاب السياسية التي ستحكم لاحقا، وقد تدير البرلمان والحكومة، هو بداية المشوار
وأثق بالمقابل بأن المقاربة التي تحاول الاشتباك والرد والاحتواء والمعالجة حتى الآن قاصرة، وقد لا تصل إلى نتيجة إيجابية، لأن مدخلات عملية التشخيص هي التي يتم إما تزويقها أو تبريرها وأحيانا تزييفها.
تلك المدخلات يتوجب خضوعها للنقاش الآن.
والقضية مجددا ليست مسألة مصداقية فقط للخطاب الرسمي، فأولوية المواطن واضحة الملامح وهي الهم المعيشي، والفكرة أن الذهن الجماعي للأردنيين عموما، لم يطور بعد أيديولوجيا ثقافية حزبية تقنع العقل الباطني بأن العمل بمسار الأحزاب السياسية التي ستحكم لاحقا، وقد تدير البرلمان والحكومة، هو بداية المشوار نحو التغيير بمعنى إيصال صوت الأنين والألم والوجع المعيشي.
مع بقاء المتداخلين في حالة صمت إزاء تجريم أي محاولة للمساس بالانتخابات ستبقى نسبة الـ 1 في المئة هي الأساس، ولن يزيد إلا عدد المتعطلين سياسيا الذين يرون في مقاعد الأحزاب البرلمانية فرصة لتعزيز مكتسباتهم أو حرق بعض المراحل في امتطاء الدولة والعشيرة معا.
لا أصدق بأن 1 في المئة من الأردنيين مع الأحزاب السياسية نفسها فقط الـ 99 في المئة من بقية أبناء هذا الشعب المبتلى لديهم قناعة سلبية بالصمت والحياد، محورها ومضمونها أن الانتخابات ليست حرة بكل حال وأنها النمط المعتمد لإعادة توزيع المقاعد والمحاصصات بين محاسيب وأقارب المكونات وأزلام السلطة والذين يلعبون على هامش الولاء بصنفيه المسموم والمحمود.
أصل الإشكال وجوهره ليس في رفض الأحزاب السياسية بل في القناعة المتكدسة والمتكلسة وجدانيا بأن تلك الأحزاب ليس أكثر من بقالات تكرس المحاصصات الكلاسيكية، وأنه يتم التعبير عن هذا الواقع في عملية انتخابية تحفل بالتدخل مرة وبالهندسة مرات.
القصة ليست في أزمة المصداقية الرسمية.
ولا في شعور المواطن الأردني بالعبث والعدمية بقدر ما هي مرتبطة بالعقيدة الجماعية التي تؤمن بأن الانتخابات أصلا تخضع لهندسة ما، وأنها ليست حرة ونزيهة.
وبالتالي يمكن المساهمة بأعراس الوطن الانتخابية بدون أحزاب سياسية هي ليست أكثر من ديكور.
في الخلاصة ما نريد قوله لأصحاب القرار وعلية القوم: بدلا من الانشغال بهموم تدوير وإعادة تدوير النخب والأدوات والحرص والسهر على طوابق فهلوة وسياسية وبيروقراطية وحزبية متذاكية، يمكنكم أيها الأخوة الكرام التركيز على وقف ما يجري في غرف العمليات واستعادة ثقة المواطن بعملية الاقتراع فذلك هو المدخل الطبيعي والأسرع لبث وعي جديد بمسار التحديث أو بالحزب السياسي.
دون ذلك قد نستمر بطحن الهواء مع الإشارة إلى أن غالبية ساحقة من المواطنين تهتم برغيف الخبز قبل الحزب والبرلمان والانتخابات والحكومة، وبالتالي ستسقط تلك النظرية التي تفترض بأن واجب الدولة أن تفتح قليلا وتنفتح كلما ضاقت سبل العيش.
في جدلية الخبز والعمل الحزبي طبعا يكسب الرغيف. لكن في جدلية تعويض الفاقد إذا ما غادر الرغيف واستمرت الفهلوة يخسر الوطن والدولة والمواطن معا، والانتهازيون لن ينفعوا أحدا.
القدس العربي