لهذا سيفوز أردوغان
عندما تحرك التتار عام 702 هجرية قاصدين بلاد الشام كان شيخ الإسلام ابن تيمية يبشر الناس والأمراء بأن الدائرة على التتار، وأن الظفر والنصر لجند الإسلام، وأقسم على ذلك، فكان يُقال له: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا.
أجواء هذه الثقة في الظفر، قد ألفيتها بارزة أمامي قبل ساعات من الجولة الحاسمة في الانتخابات التركية، في أن يفوز بها الرئيس المنتهية فترة ولايته رجب طيب أردوغان، على حساب خصمه العنيد كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري.
أقول إن أردوغان سيفوز بفترة أخرى، إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، ليس من باب إطلاق الأمنيات، لكن هذا ما يسهل قراءته في هذا المشهد الأخير قبل بدء الاقتراع، فهناك العديد من نقاط التفوق تعزز من فرصة أردوغان.
أولا: قوة الدفع التي فاز بها أردوغان، وهي تفوقه في الجولة الأولى على خصمه بفارق حوالي 5%، وهذا أمر بديهي، لأنه سوف يدخل الجولة الحاسمة بهيئة الفائز، ويحتاج إلى فارق ضئيل يكسر به حاجز الـ 50%، بينما خصمه يحتاج إلى تعويض الفارق بينه وبين أردوغان بزيادة عليه تضمن الفوز، خاصة وأنه ليست هناك متغيرات جذرية في المشهد الانتخابي تنبئ بإمكانية أن يفقد أردوغان هذا الزخم، بل معظم المتغيرات تأتي لصالحه كما سيتضح لاحقا.
ثانيا: فوز تحالف الجمهور، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية بأغلبية مقاعد البرلمان، يرجح وبقوة كفة أردوغان في جولة الإعادة، وذلك من جهتين، إحداهما: أن هناك أصواتا ذهبت في الجولة الأولى لتحالف الأمة وزعيمه المرشح كمال كليتشدار أوغلو، طمعا في إلغاء النظام الرئاسي وإعادة النظام البرلماني، لكن مع هذا الإخفاق لتحالف الأمة وضياع هذا الهدف، فمن المحتمل أن تذهب بعض هذه الأصوات إلى أردوغان، أو الامتناع عن التصويت وهي بهذا تقلص أعداد الناخبين المؤيدين لكمال كليتشدار أوغلو.
هناك نوع من فقدان الثقة في كمال كليتشدار أوغلو بنسبة أو بأخرى لدى مؤيديه في الجولة الأولى لأنه رفع سقف طموحاتهم عاليا
ومن جهة أخرى، فوز تحالف الجمهور بالأغلبية البرلمانية، سوف يدفع أصواتا من الناخبين يهمها تحقيق الاستقرار وتفادي التعثر السياسي الذي يمكن أن ينتج عن غياب التفاهم والتوافق بين الرئاسة والبرلمان، ومن ثم تُؤْثر هذه الأصوات الذهاب إلى أردوغان ليحدث هذا التوافق بين الرئاسة والبرلمان إلى حد بعيد.
ثالثا: نسبة الـ 5.17% التي حصل عليها في الجولة الأولى المرشح الرئاسي الخاسر سنان أوغلو، سوف تحدث فارقا في الجولة الثانية، وربما يعتقد القارئ أنني أتناول هذا العنصر من جهة أن سنان أوغلو أعلن دعمه للرئيس أردوغان وبالتالي سيرجح كفته، فعلى الرغم من إعلانه تأييد أردوغان إلا أن أصواتا من مؤيديه ستذهب إلى كليتشدار أوغلو بدافع أيديولوجي، وعلى سبيل المثال أعلن زعيم حزب النصر القومي أوميت أوزداغ أنه سيدعم كليتشدار أوغلو في جولة الإعادة، على الرغم من أنه كان يدعم المرشح الرئاسي سنان أوغلو في الجولة الأولى.
لكنني أتناول هذا العنصر من جهة أن تفتت نسبة الـ 5.17% يأتي لصالح أردوغان انطلاقا من كون المرشح المنافس كليتشدار أوغلو يحتاج إلى هذه النسبة كاملة ليصل إلى النسبة التي حصل عليها أردوغان فيما إذا استقرت اتجاهات الناخبين على النحو الذي شهدته الجولة الأولى.
رابعا: الشريحة التي تغيبت عن الجولة الأولى وتقدر بثمانية ملايين ناخب، والتي يسعى كلا مرشحي الرئاسة إلى حثها على التصويت في هذه الجولة لصالحه، وكلاهما يبذل جهودا كبيرة لحصد أصواتها، فبالنظر إلى أن هذه الشريحة غالبا ليست مؤدلجة في معظمها، فأعتقد أن أعدادا كبيرة منها سوف تذهب لصالح أردوغان، على أساس أنه صاحب التفوق في الجولة الأولى على منافسيه، وهذه طبيعة الفئات من غير ذوي الاتجاهات السياسية، وغالبا ما يكون عناصرها من النائين عن الاهتمام بالشؤون السياسية في الدولة، يميلون لترجيح كفة الأكثر حصولا على التأييد الشعبي.
خامسا: هناك نوع من فقدان الثقة في كمال كليتشدار أوغلو بنسبة أو بأخرى لدى مؤيديه في الجولة الأولى، لأنه رفع سقف طموحاتهم عاليا، ووعد بالاكتساح في عملية الاقتراع رغم أنه أتى في هذا الاستحقاق الانتخابي بتحالفات قوية من أطياف شتى، وهذا بدوره قد ينعكس على السلوك الانتخابي لبعض هذه الأصوات، إن لم تذهب إلى أردوغان فمن الممكن أن تمتنع عن التصويت، وهذا أيضا يصب في صالح أردوغان.
سادسا: الخطاب الفاشي الذي تبناه كليتشدار أوغلو في الدعاية الانتخابية لجولة الحسم ضد اللاجئين بهدف استرضاء القوميين، وتركيزه على هذا الجانب، يخالف ما ظهر به في البداية على أنه مرشح يساري وتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي، فها هو يُظهر وجهه القومي المتشدد، الأمر الذي سيقلق حزب الشعوب إلى حد ما، وسوف يعزز من هذه المخاوف إعلان زعيم حزب النصر القومي دعم كليتشدار أوغلو، وهذا قطعا تم وفق تفاهمات وحسابات الربح والخسارة.
فزعيم حزب الشعب كليتشدار أوغلو بنى تحالفاته مع اتجاهات متناقضة على مبدأ الربح والخسارة لا على صيغة توافقية كما فعل أردوغان، والذي وصل مع القوميين في تحالفه على صيغة تفاهمية تخص اللاجئين، مبنية على إقرار العودة الطوعية.
تلك هي العناصر التي ترجح كفة أردوغان في هذه الجولة، ليفوز إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
القدس العربي