كلمة رثاء في العميد عدوان العدوان
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى " فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون " (سورة الأعراف، الآية 34) صدق الله العظيم
التقينا قبل أكثر من عشرين عاما طلاب دراسات عليا في الجامعة الأردنية كنت خريجا جديدا من جامعة مؤتة / الجناح العسكري وكنت ضابطا برتبة ملازم أول شابا يافعا مليئا بالنشاط والحيوية أحلامك كبيرة ولك الحق في ذلك لكن الموت داهمك قبل أن تحقق بعضها عندما انقض عليك ذلك المرض اللعين دون سابق إنذار وتبدأ معركتك معه سلاحك الإيمان بالله لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وجسدا على البلاء صابرا وتسافر إلى مدينة الضباب وتتلقى الجرعات الطبية هناك ويخبرك الأطباء أنهم سيطروا على المرض ولكن لا بد من العودة إليهم وبشكل دوري لإجراء بعض الفحوصات الطبية، لكن المرض اللعين يأبى أن يغادر جسدك الطيب ويعود ينهشه من جديد، زرتك أكثر من مرة برفقة الأصدقاء زملاء الدراسة العميد زهدي جانبك والأستاذ باسل الكيلاني والدكتور غسان العمري أطال الله بأعمارهم جميعا فقد التقينا جميعا على حب الله والحب في الله، وكنا نستمتع بحديثك وسعة ثقافتك وإصرارك على مقاومة المرض وتحمله بعزيمة المؤمنين الصابرين الراضين بحكم الله، واليوم وبعد أن اختارك الله إلى جواره استذكر كيف كنت مثالا في الطيبة والأخلاق والدين والإخلاص والوفاء والتواضع، لم يغرك منصب ولا جاه ولا مال، أتذكر شريطا من الذكريات استمر ما يزيد عن القرنين هما عهدي بك عندما جلسنا لأول مرة على مقاعد الدراسة لتبدأ بيننا علاقة صداقة وأخوّة طاهرة نقية استمرت إلى ما بعد تخرجنا والتحاق كل منا بعمله وعلى الرغم من مشاغل الحياة كنا نلتقي باستمرار نسرق من الزمن ساعات نلتقي بها مرة عند باسل الكيلاني ومرة عندك ومرة عند زهدي ومرة عند فراس الغرايبة أعاده الله من غربته بالسلامة ومرة عندي، وكنا نتواصل باستمرار ونتذكر تلك الأيام الجميلة التي قضيناها معا في الدراسة للامتحان أو في حل واجب أو في كتابة بحث، أتذكر في أحدى المرات عندما كنا في قاعة المحاضرة ننتظر أستاذنا الكبير الدكتور محمد عبد الفتاح ياغي أطال الله في عمره، لنأخذ درسا جديدا في مادة اتخاذ القرارات، وعندما تأخر الدكتور لانشغاله في حل مشكلة طالب لم نحمل كتبنا ونغادر فتطوعت من فورك وخرجت لتشرح لنا عن عملية اتخاذ القرار في مديرية الأمن العام تلك المؤسسة التي نحترم ورسمت هيكلا تنظيميا وخطوط سلطة وبينما أنت تشرح وتسهب في ذلك دخل الدكتور فاعتذرت منه مبررا سبب قيامك بما قمت به بضرورة استثمار الوقت بما هو نافع وانك تشرح لزملائك ومعظمهم من المدنيين عن عملية اتخاذ القرار في جهاز الأمن العام فما كان من الأستاذ الطيب إلا أن استحسن ما قمت به واعتبره تطبيقا عمليا لما ندرسه من أفكار نظرية وجلس معنا طالبا منك الاستمرار في الشرح قائلا: وأنا أيضا أريد أن أتعلم، فقد كنتما كبيرين.
كنت أتابع وضعك الصحي مع الصديق زهدي جانبك الذي كان كعهدي به دائما صادقا وصريحا حتى وان كانت الحقيقة مؤلمة، وفي آخر اتصال معه أفادني بأن عدوان على سرير الشفاء في المدينة الطبية، زرت المرحوم عدوان في الجناح الخاص في مدينة الحسين الطبية قبل وفاته بثمان وأربعين ساعة ووجدت مكتوبا على باب غرفته "الزيارة ممنوعة بأمر من الطبيب المعالج " وخرج علي أحد المرافقين واعتذر بلباقة واسترقت نظرة إلى عدوان على سريره فقلت الله اكبر قاتلك الله أيها المرض اللعين لماذا اخترت عدوان دون غيره وهل اسكثرت علينا شخصا طيبا مثل عدوان أن يكون بكامل صحته وعدت أدراجي حزينا على هذا الجبل الشامخ الذي أتعبه المرض وبدأ يتهاوى إلى أن أسلم الروح إلى بارئها ليلقى وجه ربه راضيا مرضيا، رحمك الله يا أبا عبد الله وجعل جنة الفردوس مثواك وألهم اهلك وأصدقاءك ومحبيك الصبر والسلوان، أظلمت الدنيا وأنيرت القبور، وإنا لله وإنا إليه راجعون