مستجدات المشهد الليبي
خلافات المجلس الانتقالي الليبي وبدء الصراع على السلطة بين العسكريين والسياسيين ستتفاقم أكثر حسب كل التوقعات.وعندها ستكون ليبيا الجديدة ساحة صراع لم يسبق أن شاهد المواطن العربي مثيلا لها. والسبب يكمن في معادلات كثيرة أهمها أن الثورة الليبية التي جاءت لتخلص الشعب من حكم الفرد الواحد, تعرضت كما غيرها من ثورات الربيع العربي لأوراق خارجية أولها الورقة الفرنسية-الإيطالية والورقة الأمريكية-الإسرائيلية بالإضافة إلى الورقتين التركية والإيرانية.ولعلي كبقية المشاهدين العرب تابعت ردود الفعل المتوترة لدى الغرب, والتي تولدت في أعقاب حديث السيد عبدالجليل مصطفى في بنغازي في حفل إعلان تحرير كامل ليبيا . رغم أن تصريحات رجل القانون كانت متوازنة وعقلانية فهو لا يريد تطبيق النظام الرأسمالي العفن المنهار . وهنا يستوجبنا التوقف لرؤيا الحرب الإستعمارية المتواصلة على بلادنا وهويتنا وديننا كي لا يحدث الإنسجام وهو أولى ضرورات قيام الوحدة العربية المنشودة. وأما خلافات الغرب فيما بينهم فهو ناجم عن تقاسم الحصص من الكعكة الليبية اللذيذة بعد أن نهبت أمريكا الكعكة العراقية لوحدها تاركة النزر اليسير لحليفتها بريطانيا. ولأن بأسهم بينهم شديد فقد أسس كل إستعمار له كتلة عاملة في ليبيا الحبيبة, على غرار ما دأب فعله في أقطارنا هنا وهناك. لا نتمنى للفرقة أن تجد طريقها في ليبيا أو أي قطر آخر, ولكن السيناريو سيكون محكوما بالديمقراطية في كل من مصر وتونس وماهية ما سترسوا عليه في كل منهما , مع الإشارة إلى أن أية ردة فعل غربية مضادة ستجعل المواطن العربي ينتخب الأصولية المتشددة لمواجهة التهديدات الأجنبية المحتملة . وما ينبغي أن نشير إليه هو تداعيات انهيار النظام السوري على لبنان والأردن وتركيا ومصر بالإضافة إلى إسرائيل خاصة وإن هناك من يتحدث عن جيوب للتدخل في الشأن السوري من تركيا والأردن ولبنان وإن كان بصعوبة أكبر لوجود موالين للنظام السوري فيه. ولم يجد المجلس الإنتقالي الوطني السوري من يعترف به للآن سوى المجلس الإنتقالي الليبي الذي نحن بصدد الحديث عنه . قتل القذافي, وما رافقت حكاية قتله من روايات متعددة . لكن البهجة ظهرت على وجوه الغرب الإستعماري الذي حالفه طيلة العقد الأخير بشكل فاق المتوقع . وكانوا راضين عنه وهو يسلم ملفات الجيش الجمهوري الإيرلندي ومنظمة إيتا الإسبانية ويحارب تنظيم القاعدة , وكان تهديد القذافي للناتو أثناء قصف بلاده لم يجد أذنا صاغية بسبب تقلباته ولم نجد إحتجاجات في الشارع العربي كما حدث مع العراق بسبب تخليه عن القومية العربية ,فالرضى الغربي الإستكباري غطاء كاذب لباطن شرير يكنه للعرب جميعا ولا يستثني حتى العملاء منهم. ولما اكتشف جشعهم على حقيقته لفظوه وقرروا التخلص منه. وهذا ما حدث له ولسابقيه حسني وبن علي في ظل معطيات جديدة خلقت ظروفا موضوعية وذاتية لنجاح الثورات. ألغرب الجشع يظهر نواياه بوقاحة تجاه الإستثمار في ليبيا والمقصود هو استمرار نهبه لثرواتها من خلال من غرسهم في صفوف الليبيين كل على طريقته كما أسلفنا.
إن خطأ نظام القذافي تمثل في بحثه التائه عن حليف له عقب انهيار الإتحاد السوفييتي فقاده خطأه ليقع فريسة في أيدي الفاسدين الغربيين ونظامهم الرأسمالي الجشع. ومع أنني كنت أود التجنب في الحديث عن واقعة قتله إلا أن ردود الفعل الهائلة على الطريقة البشعة جعلتني أقف مشدوها حيال مستقبل الإنسجام الداخلي في ليبيا , وما ينذر به. وقد كنا سمعنا واقعة قتل عبدالفتاح يونس بعد استدعائه للمثول قضائيا وهو يقود المعارك في الصفوف الأولى للثوار الغير منسجمين. مما يعطي إنطباعا سيئا لسوء طالع فيهم.
إن المستقبل الليبي يلفه الغموض , وهو سيتأثر حتما بمآلات الربيع العربي حاله كحال أي بلد عربي آخر. وقبل كل شيء علينا أن نقر بأن رأس السلطة في نظام سايكس-بيكو العربي يشكل حاشيته بناء على استشارة جهة خفية على مواطنيه, كانت من صنيعة الإستعمار الذي جاء به ونصبه , وهي في الأصل منصبة مثله بالتوارث. ولهذا لم يكن هنالك نظام عربي مختلف يشكل إستقطابا لغيره, لكنه ظل في صراع مع غيره لتثبيت التوريث عنده محاولا البرهنة للإستعمار بأنه الأكثر قدرة على خدمتهم وحماية مصالحهم وهو ما لا نريده لليبيا القادمة.
ألإنسجام هو أهم الإنجازات التي ننتظرها من ربيعنا العربي , وبدونها لن نتخلص من بقايا أنظمة الفساد والإستبداد , ومن عملاء تم تنصيبهم لقيادة أمة عظيمة وما وجدنا فيهم قائدا واحدا , بل ثابروا على تحصين سياج مزارعهم للبقاء أطول فترة ممكنة . وقدموا فلسطين هدية للصهاينة مقابل مصالحهم وأتوا بانتخابات مزورة طيلة قرن مضى يتغنون بنزاهتها حتى جاء الوقت ليعترفوا بتزويرها , فما أمهلتهم الشعوب وقد أصبحت غارقة في معرفة أكاذيبهم, فطالبتهم بحل المزورين لتسلك طريق الإستقلال السيادي المنشود. ولأنهم يراوغون, إندلعت المواجهات والعصيانات والثورات المسلحة وأريقت الدماء الزكية , ولنعمل على خلع بقاياهم مهما كان الثمن.لأن الإستعمار المفلس بعد أن نهب ثرواتنا ولم تعد تكفيه مثلما هي خيراتنا لم تعد تكفي العملاء والمنافقين , فإن المواجهة قادمة حال إصرار الحكام على بقاء الوضع الذي نسجوه لمصالحهم ولمصالح أسيادهم.