الشارع يقرأ الحقيقة
النزاهة التي تفرزها صناديق الاقتراع , هي ما يسعى له الحراك الشعبي في الأردن , من تمثيل حقيقي لإرادتهم , لصياغة مستقبل الوطن , الذي يحلمون به ليكونوا قادرين على ممارسة العمل الحزبي المؤسسي , كما غيرهم تمتع بهذه القدرة منفرداً عبر عقود , نالوا خلالها التنظيم والتوسع الأفقي والتطور العمودي , مستغلين منابرهم التي وضفتها الدولة , لتحييد الفكر اليساري والقومي التحرري الوحدوي , في زمن الأحكام العُرفية , حتى أصبحت لهم هذه الشعبية الكبيرة من خلال مخاطبة الناس بقلوبهم لا بعقولهم , فكان اليساري والقومي , إما كافراً , أو عاصياً لولاة الأمر.
الذين يريدون أن يتسلقوا على ادعاءات شعبية كُثر , سواء من هم في قلب القوى السياسية أو من هم في قلب الحراك الشعبي غير المؤطر , وقد تذوقنا مرارة هذه التجربة في هبة نيسان 89 , وشاهدنا كيف خـُطف جهد الآخرين , والذي لا زال بعضهم يدفع الثمن , وكيف مطالب المهمشين والمحرومين من أبسط الحقوق , تحولت إلى صفقات تجنيها الأيدي الغادرة بالهم الوطني والشعبي , ولكن في هذه المرحلة (لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين) , لهذا , لن يسمح الحراك الشعبي من اختطاف جهده وتضحياته , فمعظم قياداته , سواء من برز في هذه الآونة أو من يُعتبرون من النضاليين القدامى , والذين لم يساوموا أو يتكسبوا في محاصصة من خلف الكواليس , على حساب نضال رفاقهم وحشودهم .
ما يميز الحراك الشعبي , أن بعض قياداته لديها من الخبرة , ما يؤكد عدم قدرة حكومات هذا العام من عقد صفقات على حساب الحراك الشعبي , وبعيداً عن عناوينه الرئيسة التي يخرج منادياً بتحقيقها , هذه القيادات القديمة الجديدة هي المرشد والناصح للقيادات الشابة والجديدة في الحراك , من المؤامرة التي لاحت في أفق الوطن منذ سنين , بل منذ هبة نيسان .
في السنين العُرفية الثلاثينية , كانت الكذبة الكبرى , التي سيدت اتجاه وأعطته الأداة الأهم في استخدام العاطفة الدينية , لقتل التيارات الأخرى والنخب التي كانت تدفع من عمرها ثمناً , فأصبغت على المعارضة لوناً واحداً , كان من بين قادتها الكثير ممن قبض ثمن التجني على الوطن والجموع المهمشه , فتربعت على مقاعد السياسة وإعلام المنابر إلى جانب السلطة لقتل الفكر والرأي الآخر , فجاء الربيع العربي , وجاءت تسريبات ويكيليكس , لتفضح المستور على صفقاتهم وحواراتهم لاستمرارية التفريط بالوطن وهويته , وكرامة مواطنيه وحقوقهم .
تظهر سخونة الحراك الشعبي وزخمه في المناطق الأكثر تهميشاً من الدولة , وهي تلتقي مع بعض شخصيات قيادية في اليسار الوطني حول الكثير من العناوين , والتي ينكرها الإسلاميين , وفي مقدمتها الوطن البديل والتهجير الناعم , هذه القيادات الوطنية وبالترافق مع بعض قيادات الحراك الشعبي , أضفت صورة واضحة وجلية , لها قوتها الميدانية لتوافقها مع رغبة الشارع , والذي يُصرّ على عكس الإسلاميين , الذين أطلقوا على دولة عون الخصاونة "قائد الإصلاح جاي " رغم تصريحاته السابقة, التي تتبنى رؤية في بعض التعديلات الدستورية , بأنها خطأ فادح , ليعيدنا إلى العقلية والنهج العُرفي , والذي لم يستنكره أحد من قادة الإسلاميين , على عكس الحراك الشعبي الذي نبه بخروجه يوم الجمعة الماضي عن هذه النوايا , التي لا توحي إلى جدية الإصلاح , وليُـثبت الحراك الشعبي , بأن الإسلاميين ليسوا وحدهم في الشارع أو أصحاب الحل والربط .
الحقيقة المرة , التي لا بد للجميع من التسليم بها , أن الحراك الشعبي البعيد عن الإسلاميين هو من يتحكم ببوصلة الشارع, ولبعض القيادات اليسارية , دور كبير في المحافظة على هذا الحراك في نسقه وتطوره , والذي سيكون مانعاً لعقد الصفقات مع الحكومة من قبل بعض الأطراف , فما جرى في تونس من وصول الإسلاميين , له ظروفه الخاصة بطبيعة الحالة التونسية , فقد كان يخشى مواطنها التوجه إلى القبلة .
أما في الأردن, فله ظروفه الخاصة غير المشابهة لغيره من الدول العربية, هنا في حراكنا وضمن حزمته الإصلاحية, ملف رئيسي, هو حماية الهوية الوطنية والعدالة الاجتماعية, التي أسقطت بعض التيارات من قدرتها على تمثيل الناس في المطالبة بحقوقهم.
كان الأولى ممن يتهجم على اليسار الوطني , أن يدعو إلى التشارك في العمل من خلال الشارع , ومن قبل كل الأطراف, بعد التوافق على العناوين الرئيسة , ولكن في مقدمتها , ملف الفساد , العدالة الاجتماعية , والهوية الوطنية الأردنية , منعاً للتهجير الناعم والتحول إلى الوطن البديل .