أمجد ... أمجد ...
" أمجد ... أمجد ... " هكذا صاحَ أحدُ أولادِ الحارةِ بصوته الرفيع على ابنِ حارتهِ " أمجد العاسمي " حينما سقطَ أرضاً وسقى إسفلتَ الشارعِ بدمِ رأسِه البريء .. ولكنّ أمجدَ لمْ يقوَ على الرّد على ابنِ حارتهِ الذي كانَ يناديه لأنهُ كانَ مشغولاً بصعودِ روحهِ إلى الجنّة ...
ذلك ال " أمجد " ابن الرابعة عشرة سنةً لمْ يقترفْ جرْماً ! غير أنه " داعليّ " حتى النخاع , أقصدُ أنّهُ من داعل. داعل ... تلك القرية الحورانيةُ الحرّةُ , التي أرضَعَتْ أبناءها حبّ الترابِ وعشقَ العَلَم , فترعرعَ أمجدُ في أكنافِ الشرفِ والغيرةِ والمَجد ! وبينما كان يمشي أمام بيتهم نالته القناصةُ من فوق المباني الشاهقة, فأصرّتْ على أنْ تودعَ الرصاصةَ في رأسهِ الصغيرِ الذي لمْ يختزنْ غيرَ جدولِ الضربِ وأبيات شعرٍ حفظها من منهاج اللغة العربية و قليلا من مفردات اللغة الانجليزية ككلمة“ bullet ” التي تعني " رصاصة " !!
أمجد .. أيها الداعليُّ المائلُ إلى لونِ قمحِ حوران , لقد أبكيتنَا بمرارةٍ , وأشعرتنا بالصّغرِ أيها العظيم , فثقبُ الرصاصةِ في مؤخرةِ رأسِك البريء التي أخرَجَتْ جزءاً من دماغك على الأرض حينما سقطتَ شهيداً قد جَعَلتْنا نشعرُ جميعاً نحنُ العرب بالذلّ والجرْم والدياثة , فتلك الرصاصةُ الملعونة لمْ يطلقها قنّاصٌ شبيحٌ واحد, بل أطلقها ثلاثُ مئةٍ وخمسونَ مليون عربيّ تجاهَ رأسِكَ يا " أمجد " , كيفَ لا ؟! والعربُ يتفرجونَ على موتِكَ وكأنهُ مقطعٌ من فيلم هنديّ !! أنا أجزمُ بأننا جميعاً نحنُ العرب قد لوثنا أيدينا بمقتلك أيها الطفلُ الشهيد , فكيفَ يغفرُ لنا ذاك الجرْمِ الكبير ؟!!
أمجد .. أرجوك سامحنا , لأنه ليس بأيدينا حيلةٌ حتى نصدَّ تلكمُ الرصاصةَ الطائفيّةَ اللعينة التي اخترقت رأسَك الغضّ...