الحج ..يذكر بالآخرة
عندما يتبصّر الإنسان بأداءه للعبادات وفلسفتها يجدها تربطه بالله وبكل ما يعلّقه به جلَّ جلاله ويذكّره بيومٍ سيلقاه فيه, وبما أنّنا الآن في موسم العشر الأُوَل من ذي الحجة وفي أيام الحج فلنقف مع وقفاتٍ سريعة نربط بها بين أعمال هذه الأيام والآخرة .
فعندما يغادر الإنسان دياره وبلاده ويودع أهله ذاهباً للحج , فليتذكر وليتذكر أهلُهُ أنّهُ اليوم قد غادر وربما يعود للبيت وللوطن بعد أداءه للفريضة ولكن..يوماً ما (وعما قريب طبعاً) سيودُّعنا ونودِّعه وبدون رجعة , سيودِّعُنا الوداع الأخير ولن يعود , سيذهب إلى مثواه الأخير .. فلنقف عند لحظات الوداع ولنتذكر فيها الوداع الأخير.
وعندما يلبس الأبيض سيخلعه بعد أن ينهي المناسك ولكن.. يوماً ما ( وعما قريب) سيلبس الأبيض ولن يخلعه, سيكون لباسه النهائي ويرحل به, فلنتذكر أننا مغادرون كلما رأينا منظر الحجيج يلبسون الابيض وليتذكر الحاج نفسه أنه يوماً سيلبس هذا اللون ويرتديه رداءاً لا يخلعه إلا بعد أن ينهض من قبره يوم الحساب ..(ولا ننسَ أن يوم الحساب سيكون دون لباس لا أبيض ولا غيره)..
وعندما يقف الحاجُّ على صعيد عرفة في لباس الإحرام ..فليتذكر أنه سيقف يوم القيامة بين يدي الله متذللاً خاضعاً ..والفرق أن يوم عرفة سينتهي وتعود لتراجع حساباتك ولكن.. يوم الحساب وقفة أخيرة بعدها إلى الجنة أو إلى النار , فرتِّب ليوم وقفتك أمام الله ..
أقول أن العِبَرَ في الحجّ كثيرة ولأنَّ التَّعب والمشقة ـ المرافق للمتعة في العبادة طبعاً ـ سببٌ في أن يعود الحاج كيوم ولدته أمُّهُ مغفوراً له كل الذنوب الكبيرة والصغيرة باستثناء حقوق العباد , فليُعِد حقوق الناس حتى يلقى تعب الطواف والسعي والركض والوقوف بعرفة والمبيت بمنى والمزدلفة ودفع نفقات الحج ونفقات الهدايا وأخص بالهدايا ( حرامات الكناين والخراخيش والدناديش والمسابح) حتى يلقى أجراً عليه من ربه ويجازيه الجزاء المطلوب وهو ـ كيوم ولدته امه ـ ,أما الذين يُتعِبون أنفسهم بالعبادات ولا يأتي في ضميرهم ردُّ الحق الى أهله فلا علاقة بين عبادته والآخرة لأن العبادة الحقة هي التي تدفعك لتعظيم يوم لقاء الرب , يوم يجعل الولدان شيباً , وأخص عبادة الحج لأنها تشبه كثيراً ما سيلقاه العبد يوم اللقاء العظيم مع الإله العظيم..
الحج لمن يؤديه أو لمن يراقب من يؤديه دفعة قوية باتجاه الخوف من الجليل, لأن الآخرة قريبة ..