عندما يزنون بالكلام ....
الكلمة ... هذا الشيء الغريب العجيب الذي يبني دولاً أو يهدمها .. هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا ، لكي نتحدث ونتحاور و نكون قريبين من بعضنا .... الكلمة التي قد تؤدي بقائلها إلى الجنة ، أو تهوي به في النار كما أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله : "رب كلمة تقولها لا تلقي لها بالاً تهوي بك في نار جهنم سبعون خريفاً " .
وقد عرف البشر الزنا بأنه الزنا الجسدي ، الذي يعتبر من الفواحش أعاذنا الله منها .. ولكن في عصرنا الحديث لعل أول من طرح فكرة الزنا بالكلام هو شاعر الحب والمرأه نزار في قصيدته الشهيره (من قتل الإمام) عندما قال :
قتلت إذ قتلته .
يا سادتي الكرام ;
كل الذين منذ ألف عام يزنون بالكلام..
ولعلنا سمعنا قديماً وحديثاً كثيراً من الكلام الذي ينهش في جسم الوطن ، ويدمر أمنه وإستقراره ويضعف الوحدة الوطنية بين مختلف أطياف الشعب ، والتي هي صمام أمان البلد .. وأنني لشدة حقدي وسخطي على هذا الكلام لم أجد ما أشبهه به الا جريمة الزنا وأسميته الزنا بالكلام ... وهو كلام غير محسوب .. يتفوه به قائلوه وهم لا يلقون بالاً للوطن الغالي الذي نعيش فيه وننعم فيه بالأمن .. ولكنها النفس الإنسانية الأمارة بالسوء ... فسبحان الله !!
عندما يخرج علينا أحد المتشدقين من أصول غير أردنية ، ويقول أن الأردنيين هم عبارة عن بدو ورعاة أغنام !! ثم بعد ذلك يطالب بحكومة منتخبة وكأننا نعيش في بريطانيا !! سبحان الله كيف جمع بين البدو وبين الحكومات المنتخبة ، وبعد ذلك يقول البعض أن الدولة في بلادنا تقوم بتوظيف الأردنيين فقط ، وتعالج الأردنيين فقط ، وتفتح الشوارع للأردنيين ، وتوفر الأكسجين في الهواء من أجل التنفس المريح للأردنيين فقط ... أليس ذلك زنا بالكلام ؟؟
وبالمقابل عندما يخرج أحد الأردنيين ويكيل الشتائم البذيئه على كل من هو غير أردني الأصل بسبب وبدون سبب في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى التعايش السلمي وبحاجة للحفاظ على وحدتنا الوطنية ..
عندما يخرج علينا بعض النواب بخطب عصماء عن فساد الحكومات وعن التخبط في البيان الحكومي وعن الشعب الذي برأيهم لا يجد الغذاء والدواء - على حد تعبيرهم - وبعد ذلك يمنح الثقة .. وهو بذلك يريد أن يكسب الناخبين إلى صفة بهذه الخطبة النارية ، وبنفس الوقت يريد أن يكسب الحكومة بإعطاء الثقة .
عندما خرجت علينا الحكومات السابقة بتبريرات عن الفشل في تنفيذ المشاريع .. وتبريرات عن تقديم الهدايا والوظائف للنواب ، في وقت يغلي فيه الشارع من أجل محاربة الفساد ...
عندما يخرج علينا أحد الذين يدعون المطالبة بالديمقراطية ، فيطالب بحل المخابرات وحل الدرك وحل الأمن ، في وقت نحن فيه بأمس الحاجة إلى تعزيز الأمن والمحافظة على الدولة الأردنية .
عندما يخرج علينا بعض الشباب والفتيات المتحررين بمطالبات وألفاظ لاهي من ديننا ولا من قيمنا ولا من عاداتنا ولا من تقاليدنا .
عندما تخرج علينا بعض الإعتصامات الغوغائية بمطالب لاهي في زمانها المناسب ، ولاهي متاحه حالياً لكثير من الاسباب .
عندما يخرج علينا أحد المغرضين الذي يبالغ ويقول أن الشعب الأردني كله بلا إستثناء لا يجد الخبز ولا الماء ولا الدواء ولا الكهرباء ، وكان الشعب يعيش في الكهوف في الصومال أوفي مجاهل إفريقيا متناسياً أن الشعب فيه الأغنياء وفيه الطبقة الوسطى وفيه الميسورين وفيه الفقراء الذين يجدون الخبز ، وفيه المعدمين الذين بالفعل لا يجدون الخبز ويجب أن تساعدهم الدولة .
عندما تقوم بعض الصحف بتأويل بعض الأخبار بما يتماشى مع أهدافها أو تقوم بنقل نصف الخبر من أجل غايه في نفس يعقوب .
عندما يقوم بعض مشجعي الأندية الرياضية بإطلاق التصريحات الرعناء والكلمات التي تؤدي للفتن والمشاجرات بعد بعض المباريات ، في حين أنهم يقولون أنهم جاءوا لهدف رياضي بحت
، هذا كله وغيره الكثير ألا يحدث في بلادنا ؟ أليس من حقنا أن نشعر أنه زنا بالكلام ؟ ألا يشعر المتشدقين بهذا الكلام بالخطر المحدق على بلدنا العزيز فيكفون عنه ؟
أيها الأردنيون ... إن الله سبحانه وتعالى قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن .. فلنحترس ولنحذر مما نطلق من كلمات .. ولنحافظ على الموضوعية في طروحاتنا بعيداً عن العصبية والعنصرية والتجني على تراب البلد نفسه ... فإن العقل يكون في معارضة الأشخاص ... وإن الجنون هو معارضة تراب البلد وشرعية وجوده .