المتصيدون في المياه العكرة

كانت أحداث المفرق يوم الجمعة السابق 23/12/2011م, أحداثا مأساوية ومشؤومة, وتسيء لصورة الأردن الحضارية, وعلامة فارقة سوداء في مسيرته الإصلاحية التقدميّة, التي يفاخر الأردنيون بها, بأنّهم كانوا سباقين إلى المطالبة بالإصلاح, وسباقين في الخروج إلى الشارع قبل الدول العربية التي شهدت تحولات كبيرة نحو الديمقراطية والانتخابات الحقيقية.
هذا الحدث يحمل دلالات خطيرة, ومؤشرات عميقة, قد لا يدركها قصار النظر, الذين يريدون الوصول إلى بعض المآرب الشخصية الضيقة والمتقزمة, ولو كانت على حساب الوطن وسمعته, ومكانته في الرأي العالمي والمحلّي, وعلى حساب الإصلاح ومستقبل الأردن.
هذا الحدث يشير إلى مخطط خفي وخطير يهدف إلى عرقلة الإصلاح, وإعاقة مسيرته عن طريق شرذمة الجسم الإصلاحي النشط, وتفريغه وزرع بذور الشقاق بين مكوناته, ويهدف أول ما يهدف إلى عزل الحركة الإسلامية عن جمهورها وشارعها, وفك تحالفاتها مع القوى السياسية الأخرى, وافتعال نزاع بينها وبين العشائر الأردنية, يهدف إلى محاصرة الحراك بحيث لا يخرج عن حدود العاصمة, ولا ينتقل نحو الأطراف والمحافظات.
ولذلك وجدنا أنّ بعض الكتاب انطلقوا عن قوس واحدة بعد وقوع الحدث لاستثماره من أجل تحقيق تلك الأهداف المرسومة, فهناك من يحرض, وينسج الروايات, ويستثمر موهبته الأدبية الإبداعية في رسم الحبكات وكشف المخططات, ومنهم من يقرأ المشهد بالمقلوب, ويعكس الحقائق ويرسم لوحة درامية لخداع البسطاء ويحاولون بتذاكٍ مكشوف افتعال صدام بين الحركة الإسلامية والعشائر.
ولكن نحن نقول من يعتدي على المسالمين ومن ينتهك حرمة المساجد لا يمتّ للعشائر بصلة, وليس من يحرق وينهب ويسلب مقرات حزب جبهة العمل الإسلامي, ومن يحرق الكتب ويشتم شتائم مقذعة ومن يتلفظ بألفاظ نابية, لا ينتمي للعشائر ولا يشرف العشائر أن تتبنّى أفعال مثل هؤلاء.
ومن خلال إلقاء نظرة على ما يقال ويكتب وما يتمّ التصريح به, يستطيع القارئ أن يميّز بين الغثّ والسمين, وبين من يبني ومن يهدم بين الكبير والصغير, فالكبار هم الذين ينطلقون من حرصهم على الوطن ومستقبله السياسي, ومسيرته الإصلاحية, فيحاولون إصلاح ما تمّ من خطأ, وإرشاد النّاس والشباب والأجيال إلى تدارك المثالب, والعمل على صيانة الوحدة الوطنية وتمتين النسيج المجتمعي.
ولذلك يجب وضع حد لمن يبذر بذور الفتنة, ويصب الزيت على نار الاختلاف واحتدام الصراع بين مكونات الأردن المجتمعية والسياسية, وينبغي للعقلاء توحيد الناس على القواسم المشتركة والأهداف الكبيرة التي تصون وحدة الأردن الوطنية, ومستقبله السياسي, التي تتلخص فيما يلي:
- الإصرار على مواصلة مسيرة الإصلاح الوطني الشامل, دستورياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعلمياً وتربوياً, واللحاق بركب الدول الحديثة بأسرع وقت ممكن, وبناء دولة الأردن المدنية الديمقراطية الحديثة.
- الإصرار على استراتيجية إصلاح النظام, بطريقة سلمية تشاركية هادئة, من دون الانزلاق إلى الفوضى, ومن دون الذهاب إلى المستقبل المجهول ومن دون الإنجرار إلى العنف, ومن دون استبعاد أي طرف سياسي أو مكوّن مجتمعي.
- الإصرار على مواصلة مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين, واسترداد أموال الدولة المنهوبة, ومقدراتها المغتصبة.
- الالتزام بدولة القانون والمؤسسات, ومقاومة أسلوب الاعتداء, والبعد عن استخدام العنف وإلحاق الأذى بصاحب الرأي المخالف تحت أي مبرر.
- الإلتزام بمبدأ أنّ الوطن لجميع أبنائه, وأنّ المصلح الوطنية فوق كل مصلحة, وأنّ الوطن أكبر منا جميعاً, فهو فوق الأفراد وفوق الأحزاب والجماعات, وفوق الفئات وفوق الأنظمة والحكومات.
نحن بحاجة إلى ميثاق وطني إصلاحي يحدد حقوق وواجبات الأطراف المختلفة يقوم على الركائز السابقة, وما يكمّلها ويتمّمها نحو الأفضل.(العرب اليوم )