(العِرْق دسّاس) .. في السياسة أيضاً

- منذ سنوات وتحت تأثير هزيمة كبرى هي احتلال العراق, وتحت تأثير انتصارات وانجازات مثل حالة كل من لبنان وغزة, سادت في الأردن أجواء الوئام والتفاهم والاستيعاب والتنسيق والتسامح بين المعارضين, الأصلاء منهم والمستجدين, ومن شتى المنابت السياسية (اسلاميين ويساريين وقوميين وحتى ليبراليين).
صرنا نجد على منصة واحدة خطباء من مختلف المواقف يجاملون بعضهم, ويتبادلون الأوصاف الحميدة, ويتنافسون في ممارسة "التوجيب" السياسي, وأتقن الجميع لغة الجسد المناسبة لهذه المواقف مثل خفض الرؤوس تواضعاً مع ليّ الأعناق قليلاً, والابتسامات الحنونة مع تغميض جزئي للعيون على سبيل "التسبيل", أو تشبيك الأيدي بشدة مع التصاق الأكتاف بصورة تختلط فيها روائح عرق الإبطين عند كل زوج من المتشابكين, وغير ذلك.
لقد صمت كل طرف عن ملاحظاته على باقي الأطراف, وتسابق الجميع نحو إبراز نقاط الاتفاق.. "وما أكثرها" ونبذ نقاط الخلاف.. "وما أقلها", وهاتان العبارتان أصبحتا من لوازم اللقاءات المشتركة, وصارتا تقالان بشكل فولكلوري.
بالإضافة لذلك, أتاحت هذه الظروف المجال لذوي الانتماءات الحزبية السابقة أن يمارسوا نشاطهم, ولم تعد مغادرة الأحزاب أمراً مداناً بالكامل, وفي أقصى الأحوال قد يكون هناك قدر من العتب, ما دام الحزبي السابق سيبقى في "الأجواء".
اليوم تبدل الموقف, واتضح أن "الدم السياسي" هو أيضاً "لا يصير ماء", وأصبح على كل مشارك أن "ينتسب" أي أن يعلن نسبه السياسي, وحتى الحزبيين السابقين افترقوا وفقاً للنّسب القديم, وانقسموا الى مجموعات, منهم مَن "يردّوا" إسلاميين, وآخرون "يردّوا" يساريين أو قوميين وهكذا.
لقد ظهر بوضوح أن "العِرِق دسّاس" حتى في العمل السياسي, ولا بأس في ذلك, فعلى الأقل لم يعد أياً من النشطاء مضطراً لشم رائحة "الإبط الآخر" فضلاً عن الاستماع للرأي الآخر.(العرب اليوم )