التحريض والتعبئة من مخلفات المرحلة السابقة
- موجة التحريض والتعبئة التي تسود الأجواء الصحفية والإعلامية هي من مخلفات مرحلة ما قبل الإصلاح العربي عامة والإصلاح الوطني خاصة, وإن العودة المشهودة إلى هذا النمط تدل دلالة واضحة أن هناك قوى متنفذة تريد التمسك بالمرحلة السابقة وتعض عليها بالنواجذ, وتريد أن تقول: انه لم يتغير شيء, وكل ما حدث عبارة عن وهم وخداع, وخطوات شكلية لا محل لها من الإعراب.
ان من أهم معالم الإصلاح المنشود, أن ننتقل الى مرحلة جديدة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية, والاجتماعية والتربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية, ويكون عنوان الإصلاح: " الشعب صاحب السلطة الكاملة ", وهذا العنوان هو البوصلة الصحيحة التي ينبغي أن نهتدي إلى إشارتها جميعاً بلا استثناء.
وبوصلة (الشعب صاحب السلطة) تقتضي الإشارة الى عدم احتكار السلطة, بين فئة أو حزب أو جماعة أو عائلة أو شخص, وإنما السلطة بيد الشعب يمنحها لمن يريد من خلال إرادة شعبية حرة, عبر انتخابات صحيحة, ويبقى من منح السلطة تحت رقابة الشعب ومحاسبته حتى يكمل مدته الدستورية, ثم يعاد تداول السلطة مرة أخرى بإرادة شعبية عبر انتخابات جديدة لمرحلة جديدة.
وبوصلة (الشعب صاحب السلطة) تؤشر على أن الجيش والأجهزة الأمنية هي ملك للوطن والشعب, وهي تبقى محايدة وفقاً لهذا المبدأ, ليست مع فريق سياسي ضد فريق آخر, ولا مع حزب ضد حزب ولا مع جماعة ضد جماعة أخرى, وليست أداة بين صاحب السلطة, وإنما هي أداة بيد الوطن, وبيد الشعب كله, تحرس الوطن كله, وتحرس الشعب كله, بكل فئاته وبكل مكوناته بلا تمييز, ولا يجوز تعبئة هذه الأجهزة برأي سياسي ضد رأي سياسي آخر, ولا يجوز تعبئتها ضد أي فريق سياسي يمارس حريته وفقاً للدستور والقانون, ورواتب الجيش والأجهزة الأمنية من جيوب المواطنين والشعب يقتطع من رزق أبنائهم وأطفالهم, وجزء من عرقهم وتعبهم وجدهم, من اجل أداء هذا الواجب الوطني.
وبوصلة (الشعب صاحب السلطة ومصدرها) تؤشر على أن أجهزة الإعلام من تلفزيون وإذاعة, وصحف, هي ملك للوطن كله وملك للشعب كله أيضاً, ويجب أن تكون أجهزة الإعلام الرسمية أجهزة دولة وليس أداة تعبئة بيد فئة متحكمة ضد فئة معارضة, ويحرم قطعاً تسخير هذه الأدوات الإعلامية الرسمية للتعبئة ضد فريق من المواطنين يمثلون رأياً سياسياً معنياً بشأن الإصلاح وإدارة الدولة, ويحرم قطعاً أن يستغل احد هذا المنبر العام لتجييش الشعب والعامة لمصلحة رأي سياسي ضد رأي سياسي آخر, أو لمصلحة فريق سياسي ضد فريق سياسي آخر. لان هذه أجهزة الإعلام الرسمية والحكومية من تلفزيون وإذاعة وصحف تأخذ موازنتها من دافعي الضرائب من المواطنين, فكل المواطنين الأردنيين يسهمون في دفع رواتب القائمين على هذه الأجهزة والأدوات, ويقتطعون مصاريفها من رزق عيالهم وقوت أطفالهم.
إن الذين يستسهلون الأمر بالتعبئة والتحريض, على شاكله ما كان يجري في السنوات السابقة, إنما يعملون على إعادتها (جذعة) وهم يشكلون عقلية ما قبل الربيع العربي, ويصرون على إعادة عقارب الزمن الى الخلف, وهو يعملون بكل علانية على تخريب العملية الإصلاحية وممارسة التعبئة والتحريض وإثارة الفتنة بين مكونات المجتمع السياسية بطريقة جاهليه قديمة, وعبر مسرحية مكررة ومكشوفة ورديئة الإخراج, يشوهون من خلالها عملية الإصلاح والقوى الإصلاحية.
ونريد أن نقول بصراحة اننا نعيش مرحلة جديدة, واننا دخلنا مرحلة الإصلاح والحرية والكرامة, وهذه المرحلة ترتكز على المشاركة, وعلى احترام الرأي والرأي المخالف, واستيعاب التعددية الدينية والمذهبية والعرقية والثقافية والسياسية, بلا استفراد بالسلطة وبدون سياسة الإبعاد والإقصاء وبعيداً عن سياسة التشويه والتعبئة والتحريض.
ينبغي الخضوع لحقيقة التغيير والإصلاح, بهدوء وسلاسة وفهم واستيعاب والبعد عن جر البلد الى مواجهة وكارثة من خلال فرض العنف, واستغلال أموال الشعب لممارسة التحريض ضد فئات من الشعب, لعرقلة الإصلاح, والتغطية على الفساد, والحيلولة دون محاسبة الفاسدين, الذين سطوا على المال العام, وسرقوا أموال الخزينة تحت جنح الظلام وفي غفلة من الجماهير وتحت ستار السلطة والخصخصة.(العرب اليوم )
