اللامركزية - لزوم ما لا يلزم

- لأن الأردن دولة مترامية الأطراف في اتساعها الجغرافي، فإن الحكومة المركزية لم تعد قادرة أن تحكم بنجاعة، فليس لديها وسيلة للتعرف على أوضاع ومصالح الشمال والجنوب والوسط، ولذا فلا بد من نظام لا مركزي جديد يقيم في الأردن حكومات محلية بعدد الأقاليم الثلاثة أو بعدد المحافظات الإثنتي عشر.
ولأن الأردن استكمل جميع الإجراءات والتشريعات اللازمة للإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي على أساس مركزي، فلا بد من إعطاء الفرصة بعد الآن للمحافظات لكي ترسي الديمقراطية على أسس راسخة وتجري انتخابات محلية على أسس عشائرية.
ولأن الأردن فشل في إدارة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فلم يتضاعف حجم الاقتصاد الأردني سوى 40 مرة خلال نصف قرن، ولم يرتفع مستوى المعيشة سوى 20 مرة، ولم تصل الكهرباء إلا إلى 8ر99% من المساكن، ولم تصل الهواتف إلا إلى 106% من السكان، ولم تؤسس في البلاد سوى 25 جامعة. فلا بد والحالة هذه من إدارة التنمية بعد الآن على أسس محلية، فأهل القرى أدرى بوسائل التنمية، وأكثر معرفة وكفاءة من الفريق الاقتصادي الوزاري القابع في العاصمة.
ولأن جهاز الحكومة الأردنية وقطاعها العام صغير بالنسبة لحجم الاقتصاد الوطني، فهو لا يوظف سوى نصف القوى العاملة، ولا ينفق سوى 55% من الناتج المحلي الإجمالي، فلا بد من تسمين البيروقراطية بإيجاد عدد إضافي من الرؤساء والبرلمانات المحلية التي من حق أعضائها أن يطالبوا بالمزايا التي يتمتع بها الوزراء والنواب والأعيان من رواتب وتقاعد وإعفاءات جمركية والحق بتعيين أربعة موظفين درجة رابعة وكوتا من الحجاج. وبذلك يتحول معظم الأردنيين إلى حكام ووزراء ونواب، ونقترب من تحقيق شعار (معالي الشعب الأردني)، ولا يبقى سوى البحث عن مواطنين يدفعون الضرائب لتمويل هذا الجيش الجرار.
دون الحاجة للوقوف عند بعض التخوفات والهواجس حول إضعاف الدولة وتفكيكها، فإن العملية بأسرها ليست دستورية، وليست تنموية، وليست تقدمية، وليست ديمقراطية، ومن شأنها خلق بيروقراطية ضخمة مترهلة، ووضع القرار في أيدي من لا يملكون الصورة العامة عن الاقتصاد الوطني والمالية العامة وأولويات البلد الشاملة، علماً بأنه لا الدستور القديم ولا الدستور الجديد يسمح بهذه المغامرة.(الراي)