حتى لا نخسر كل القراء
معروف أن الصحفيين والاعلاميين هم أكثر الناس امتصاصا لما يدور حولهم وذلك لسعة صدورهم وايمانهم وقناعتهم بالمثل الدارج -- لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع -- وقلما تجد صحفيا ناجحا وموفقا محصور الأفق لا يستقبل ولا يرسل ويريد كلّ الناس يباركون ويؤيدون كلّ كلمة يكتبها .. وتعودنا كإعلاميين أن نستمع لكل ما يقال وأن لا ننفعل أو نحتد أمام الآخرين حتى لو خالفونا الرأي لأن الاختلاف ظاهرة طبيعية وحضارية وهو قائم بين الناس منذ عهد الحجر وحتى صعود القمر حيث أن رضى الجميع غاية لا تدرك .
وما دفعني لكتابة المقال قراءتي لأحد الكتّاب العرب يرد على مقالة تخالف حزبه وطريقته ومنهجه ويتوعد صاحبها بقطع لسانه وفتح ملفه وفضح مسيرته التاريخية الحزبية اذا لم يغيّر من شأنه وحاله .. فاتصلت بهذا الكاتب العربي الذي أعرفه مقيما بدولة خليجية لأسوق له استهجاني لاسلوب رده الذي يفقد به حتى الأصدقاء والمقربين .. ولأنه لا تربطني به أيّة عداوة فوجئت بأنه مكتئب من حدة انفعاله ويشرح لي أسباب حالته النفسية بعد أن عزلته مؤسسته من موقعه لسياسته الكتابية حتى صار يصنف قرّاءه بين أصدقاء وأعداء فقرّر زميلي أن يبقى راكبا رأسه بعكس الموج متحديا بعنف وقوة لأنه يخشى التراجع والاعتدال بمواقفه مخافة أن يخسر حفنة من القراء المصفقين له والساعين لاغراقه في الوحل .
وذكّرت زميلي الكاتب الغاضب بأن الناس مشارب وأذواق ولا يوجد شيء من الممكن أن يفعله كي يرضى عنه جميع الناس كما لا يوجد شخص في العالم على مرّ التاريخ اتفق الناس - جميع الناس - على حبه اذ أن الناس مختلفون بطبعهم في اللغة وفي الذوق وفي الاهتمامات .
ومهنتنا صدق من وصفها بمهنة المتاعب .. فبعد كل موضوع ننشره يتصل بعض القرّاء فيجدلون ضفائر الثناء لشدة الاعجاب وعلى الطرف المقابل يحتد كثيرون غاضبون على المقال لأنه متعارض مع ميولهم وأهوائهم .. والناس بطبيعة الحال كما يختلفون في صنوف الطعام واللباس والأعمال فهم يختلفون كذلك في نوعية ما يقرأون وما يرغبون وما يرفضون .