الإخوان المسلمين ؛؛؛ بين المعارضة و الحكم
- لا شك أن الإخوان المسلمين لعبوا دور المعارض البارز و القوي خلال حكم الأنظمة البائدة ، و طالما أطلقوا مطالبهم الإصلاحية على الصعيدين الداخلي و الخارجي ، و مما طالبوا فيه تحكيم الشريعة الإسلامية و اتخاذ القرآن الكريم دستورا للأمة ، هذا من منطلقهم الشرعي . أما من المنطلق المدني ؛ فطالما طالبوا بإطلاق الحريات العامة و الخاصة لا سيما حرية التعبير عن الرأي و قوانين الطباعة و النشر و إقامة التجمعات إلى غير ذلك من الحقوق التي طالما حرمتهم الأنظمة السابقة منها .
إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الفترة و قد اقترب الإخوان من سدة الحكم في بعض البلاد كمصر و اليمن و نالوها في بلاد أخرى كتونس و المغرب هو : هل سيقوم الإخوان بتنفيذ ما طالبوا به الأنظمة يوم كانوا في المعارضة ؟ وهل يقوموا بتحكيم شرع الله كما وعدوا الشعوب؟ و ما هي الأولوية في هذه الفترة ؛ إرضاء الشعب و الحفاظ على الرأي العام حتى يحافظوا على السلطة و يقوموا بتطبيق مشروعهم " الإصلاحي " حتى لو أدى ذلك إلى التنازل ولو " مؤقتا " عن بعض مبادئهم ، أم البدء بتطبيق الشريعة و المباشرة بإعادة الدولة الإسلامية أو بالأحرى "الخلافة " ؟!
سنقوم في هذه الدقائق بمحاولة لفهم الموقف الإخواني و التنبؤ بما سيصير إلى حالهم في المواقف السابقة مستندين إلى الخلفية التاريخية و الدينية فلطالما عاد الإخوان لها حتى يحسموا مواقفهم .
فأما موضوع الحريات فلا شك أن الإخوان سيطلقوا الحريات بنسبة أكبر ممن سبقهم في التحكم بها ، إلا أنهم لن يتركوا الباب مفتوحا على غاربه ، و إنما سيقيدوا ذلك مستندين إلى الشارع الشعبي ، ومثال ذلك موضوع الإساءة للذات الإلهية التي قامت بها إحدى القنوات التونسية و أسلوب الحكومة المؤقتة في التعاطي مع هذه المشكلة - حتى لو أن حكومة النهضة لم تكن قد شكلت بعد - لكنها قامت بتحريك الشارع الشعبي . ومن هنا يمكننا القول أن الحقوق ستكون مكفولة بشرط ألا تتجاوز الحدود التي يرفض الشارع الشعبي تجاوزها .
و أما فيما يتعلق بموضوع الموازنة بين الرأي العام و البدء بتطبيق المشروع الإسلامي في المنطق ، فإن الإخوان يقفون على منعطف حاد يكاد يكون قاصما ً إذا لم ينتبهوا له ، فدور المعارض التي طالما لعبه الإخوان أسهل بكثير من دور الحاكم الذي سيبدؤون تأديته و الذي تعرقل حركته الكثير من العوائق الملاصقة لهذا الدور أقلها النقد و إقصائها الانقلاب إذا لم يكن حكمهم مطابق للتوقعات الشعبية على الأقل . و علنا نعود إلى الخلفية التي ذكرناها في بداية المقال و نعود تحديدا إلى قصة موسى عليه السلام مع هارون حين عاتبه من عدم اتخاذه موقفا قويا من ضلال بعد بني إسرائيل و نكثهم لأهم بنود العهد و هي التوحيد ، فما كان من هارون عليه السلام إلا أن قال : ( إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) ، نضف إلى ذلك إلى أن هارون كان متأكدا أن القوم سيعيدون لرشدهم حين يعود موسى إليهم ، مما سبق نستنتج أن الإخوان سيهتموا بدرجة كبيرة بالرأي العام و يقوموا بلعب دور المرشد و المنقذ قبل أن يلعبوا دور القاضي أو الجلاد . ومن الأمثلة الحديثة التي تساندنا في هذا التفكير موقف حركة النهضة التي نفت نيتها إغلاق محال بيع الخمور إذا لم يطلب الشعب ذلك ، و موقف جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي طالما طالبت بإلغاء معاهدة كامب ديفد إلا أنها اليوم تعلن أنها لن تلغيها دون أن تقوم باستفتاء الشعب و سيكون مصير المعاهدة رهنا ً بيد الشعب ، وهو ما يدعم موقفنا بأن الإخوان سيستندوا كثيرا إلى الشارع الشعبي .
وفي ختام المقال حريٌ بنا أن نشير إلى موضوع تطبيق الشريعة و حمل الناس عليها فلا أعتقد أن الإخوان سينحون هذا المنحى ، حيث أن ذلك يخالف كثيرا من مبادئهم وهو ما أكد عليه الشيخ راشد الغنوشي و الدكتور أحمد الأبيض في أكثر من مرة و لعل قدوتهم في ذلك الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز حال قال له ابنه يا أبى مالي أراك متأخرا في الحكم في بعض الأمور؟؟والله إني لا أبالى لو تغلي بنا القدور في سبيل الحق "يعنى لا يهمني أن نوضع أنا وأنت في قدور ماء يغلى في سبيل الحق "
فرد عليه أبوه "يا بنى إن الله ذم الخمر مرتين في القران قبل أن يحرمها..واني أخشى أن احمل الناس على الحق جملة واحدة فيتركوه جملة واحدة "
*باحث سياسي أردني