المصارف الإسلاميّة والفرصة السانحة

- إنّ الذي يستشرف المستقبل بشيء من العلمية والموضوعية الممزوجة بالأمل والطموح والثقة بأنّ هذه الأمّة, ما زالت قادرة على معاودة الشهود الحضاري, بما تملكه من مقومات النهوض والمخزون القيمي, والتجارب الفكرية العملية التطبيقية في إدارة التجمعات البشرية, واستيعاب الاختلاف الإنساني بكفاءة; سوف يصل إلى مجموعة من التوقعات, التي تملك إرهاصات التطبيق في ظل التحولات الجارية في العالم العربي والإسلامي, وما يجري في العالم من حراكات وتغييرات هائلة وذات أثر كبير في الحياة الإنسانية بوجهٍ عام.
وربما يكون الوضع الاقتصادي هو المرشح الأكبر لأن يستأثر بالعناية والاهتمام; لأنّه يُعدّ بكل تأكيد الثمرة الحقيقية للنجاح السياسي في إدارة مؤسسات الدولة, لأنّ الغاية من إدارة الدولة ابتداءً تقوم على إسعاد الناس وحل مشاكلهم, وتوفير المقومات الأساسية لحياة إنسانية طبيعية تتسم بالرفاه والأمن والتقدم والتطوير في الأساليب والوسائل التي تختصر الوقت وتقلل الجهد وتحسن الانتاج وتسهّل الحياة في الوقت نفسه.
ومن هنا فإنّ المؤشرات تشير إلى التوسع الكبير في إنشاء المصارف الإسلامية, التي تعد عنوان النظرية الاقتصادية الإسلامية, التي تريد أن تطرح النموذج العالمي الثالث للاقتصاد الحديث, الذي ركيزته القدرة على الجمع بين أركان العملية الاقتصادية الإنتاجية المتمثلة بعقد شراكة حقيقية ومتينة بين أقطاب العملية الانتاجية التي تتلخص بالمال والجهد (العمل), والعقل (العلم والإبداع), على قاعدة العدالة والأمانة وصدق التعامل.
والفرق الذهبي الواضح في هذه المعادلة, أن لا يكون موقع الجهد (العمل) والعقل (العلم والإبداع) ضمن مفهوم الاستخدام والإجارة والعمالة, القائم على الاستغلال وأحياناً الاستعباد, وإنّما إدخال مفهوم (الشراكة) الحقيقية بأبعادها العميقة بين أرباب المال وأرباب العمل وأرباب العلم والابداع والتطوير, وصاحب المال يشارك بماله, وصاحب العمل يشارك بجهده, وصاحب العقل يشارك بفكره وإبداعه, بنسب عادلة من الربح.
ومن هذا المنطلق فإنّ أصحاب المصارف الإسلامية مدعوون إلى قفزة كبيرة في عالم التطوير والتحديث والاستيعاب على أعمالها التمويلية, لتنتقل من مربع تقديم الخدمات بصيغة تقليدية بديلة للعملية الربوية, التي تشكل الآن ما مساحته 85% من أعمال المصارف الإسلامية, وتوسيع قاعدة المشاركة مع أصحاب الجهد الذين يمثلون الأكثرية من سكان العالم العربي من الشباب الباحث عن العمل والوظيفة من خريجي الجامعات وحملة الشهادات, في مشاريع إنتاجية مبتكرة, تستثمر في الإنسان جهداً وعقلاً وعلماً بطريقة مبصرة وهذا يقتضي التوسع في إنشاء مراكز الدراسات التي تعنى بالشأن الاقتصادي, وتعنى بالأبحاث التطويرية التي تستثمر في عقول الباحثين وأصحاب الرؤية العملية في الجامعات وخاصة طلاب الدراسات العليا, وفقاً لمفهوم الفلسفة الاقتصادية الإسلامية, التي تسعى إلى إزالة التناقض بين المادة والروح, وبين العلم والحياة, وبين الاقتصاد والعدالة, وبين السعادة والتكافل, وبين الفرد والجماعة, وبين القطاع العام والقطاع الخاص على قاعدة المصلحة الحقيقية البعيدة المدى.
المصارف الإسلامية يطلب منها الكثير من الآن فصاعداً, حتى تسهم في حلّ الأزمة المالية العالمية, وفقاً لمعالم النظرية الاقتصادية الإسلامية, التي تحارب الرّبا, والاحتكار, والإضرار بالغير, كما تحارب تجارة الوهم, والمراهنات التي تخلو من الصيغة الانتاجية, لتتجه نحو تعظيم قيم العمل والمشاركة, والابداع والتطوير والتحسين, وتعظيم قيم الإنتاج والاعتماد على الجهد الحقيقي, وتعظيم قيم الصدق والعدالة الاجتماعية, والمطلوب من الأردن أن يكون سبّاقاً في استشراف المستقبل من أجل امتلاك التعامل معه بعلمية وموضوعية بعيداً عن التهويش والمزايدة والرجوع بالبلاد والعباد إلى الخلف.(العرب اليوم )