إسلام فوبيا عربية!!

- ما ان تعاقب فوز الاسلاميين عبر مختلف تياراتهم بعد ما يقارب العام من حراك شاركت فيه معظم القوى والاحزاب العربية حتى انتقلت عدوى الاسلام فوبيا من العالم الغربي الى عالمنا العربي، فمعظم الندوات والبرامج اصبحت مكرسة لهذه المسألة، وغالبا ما يقترن فوز الاسلاميين حسب هذا السجال بالسياحة والديمقراطية واطروحات الدول المدنية.
وما يثير الدهشة ان ما يدار من حوار في هذا السياق تبنى اكثر الاطروحات رواجا في الغرب حول مستقبل الديمقراطية في عالم عربي عانى من حرمان مزمن وهو ينتظرها، وكأن فوز الاسلاميين في صناديق الانتخابات سيكرس الحرمان من التمتع بنعم الديمقراطية المرتقبة.
وما يتجاهله ويتناساه من لا يبدأون من اول السطر في هذه القضية الطازجة رغم ان جذورها قديمة هو ان المجتمعات العربية في اغلبها مالت نحو التدين في العقود الثلاثة الماضية لاسباب لا بد من مواجهتها بشكل مباشر.
اولها انها شعوب مسلمة، والاسلام مرجعيتها الحضارية والتاريخية، حتى المسيحيون العرب يقرون بان الحضارة العربية الاسلامية هي المرجعية الثقافية الشاملة.
وثاني هذه الاسباب الاخفاقات المتتالية لليسار العربي وانحساره وتفتته خصوصا وان جزءا ليس يسيرا منه تماهى مع اليسار في العالم وارتهن للنظريات، ولم يوفق في تأجيل مفاهيمه وشعاراته في تراب اخر، له ثقافته واعرافه وتجاربه الخاصة.
وهناك نماذج من هؤلاء في بعض الاقطار العربية حاولوا ابتكار بروليتاريا وانماط انتاج من الكتب والكراسات، وحين ذهب ذات يوم وبالتحديد بعد هزيمة حزيران عام 1967 وفد عربي من الثوار الى بكين والتقوا ماوتسي تونغ وطلبوا منه المعونة الفكرية اعادهم الى عبدالكريم الخطابي صاحب نظرية ثورة الريف المعروفة في بلاده المغرب وقال ماوتسي تونغ انه تعلم من ذلك العربي المسلم. لهذا لم يصنع الثورة بسائقي الشاحنات في موسكو كما قال متندرا بل بالفلاحين الصينين الذين اكلوا جذوع الاشجار في زمن المجاعة.
وعالمنا العربي عانى من مشكلات قد لا يشاركه فيها شعب اخر، لانه لم يمر بفترات يمكن تسميتها ليبرالية بعيدا عن المجاز، فالفرد انتقل من نسيج قبلي الى نسيج حزبي ذي بنية قبلية، ولم تتبلور مرحلة يتحدد فيها العقد الاجتماعي بالمعنى الذي ينسب الى جان جاك روسو.
واذكر ان هناك طرفة سوداء وسياسية بالطبع تداولها عرب الستينيات من القرن الماضي عن صحف يسارية كانت تنشر درجات الحرارة او البرودة في موسكو وكأنها تصدر في ضاحية من ضواحيها.
ان من نادوا مرارا وتكرارا بانتخابات وبصناديق يحتكمون الى نتائجها يتذمرون الان من هذه النتائج لانها ليست لصالحهم ويضاعف من احساسهم بالاحباط عدم الطعن بهذه المواسم الانتخابية والاقرار بانها نزيهة.
لكن هناك دائما نافذة في مؤخرة الحافلة السياسية، سواء للهرب او لاي سبب اخر هي القول بان ارتفاع نسبة الامية في العالم العربي هو المسؤول عن هذه النتائج غير السارة لليبراليين وحتى القوميين.
وكأنهم يرددون بلا وعي ما سبق ان قاله جنرالات ورؤساء مخلوعون عن عدم تصنع هذه المجتمعات لتجريب الديمقراطية. فهل نؤجل المطالبة بالديمقراطية وثقافتها وصناديقها الى ان نكافح هذه الامية، وقد يستغرق الامر نصف قرن اخر ام نقبل بما أراده الناس طواعية وبلا اية ضغوط؟
ان تسرب عدوى الاسلاموفوبيا الى عالمنا العربي هو خطر بالغ لانه يعفي من اخفقوا في هذا التنافس من فقد الذات ومراجعة اطروحات غلب فيها التأفق النظري على وعي الواقع!(الدستور )