حراك الشارع الأردني بين الاستمرار والسكون

- أصبح الحراك في الشارع الأردني موضوعاً للجدل والصخب, وذهب بعضهم بعيداً في التهجم على الحراك وتوصيفه بأوصاف غير مقبولة, وأنّه لا بد من ايقافه, وبعضهم يتحدث بلغة تبدو هادئة ولينة بالقول لا بد للحراك أن يعطي فرصة للحكومة ومؤسسات الدولة, من أجل العمل والقيام بالإصلاح; لأنّهم يرون أنّ الحراك يعطّل مسيرة الحكومة المقتنعة بالإصلاح.
وهنا ينبغي أن نقف على الحقائق, وأن نقف على المبادئ العامّة, ولا يجوز المضيّ بطريق التعبئة والتحريض والتحشيد, التي تمثل نمطاً قديماً ما قبل الربيع العربي, وما قبل تاريخ ثورة النهوض العربي وما قبل (البوعزيزي).
الحقيقة الأولى, أنّ خروج الأردنيين إلى الشارع بطريقة سلمية حضارية للتعبير عن رأيهم, ومطالبتهم بالإصلاح حق مشروع كفله الدستور والقانون والعقل والمنطق, ولا يجوز بأي حالة من الأحوال مصادرة هذا الحق أو التهكم عليه, أو محاولة وقفه أو الاعتداء عليه بأي صورة من الصور, ولا يجوز النظر إليه أنّه يمثل حالة شاذة.
الحقيقة الثانية, أنّ هؤلاء الذين يخرجون في الميادين والساحات العامة يطالبون بالحرية والإرادة, والكرامة, وإعادة السلطة للشعب, وعدم احتكار الحكم, وضرورة محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين, والمطالبة بإعادة أموال الدولة وأراضي الخزينة, هؤلاء مواطنون أردنيون أصلاء, يحملون همّ الوطن, ويريدون حماية وطنهم ودولتهم ويريدون المشاركة في شرف الدفاع عن المال العام, ولا يجوز بأي حال من الأحوال المزاودة عليهم أو الانتقاص من وطنيتهم ولا يجوز الطعن بانتمائهم لوطنهم وولائهم لأمّتهم, ولا يحق لأي فرد يعارضهم الرأي في الجانب الرسمي أو غير الرسمي أن ينظر إلى نفسه أنّه وحده الحريص على الوطن, وهو وحده الوطني, وهو من يملك صكوك الولاء والانتماء, يوزعها كيفما يشاء ولمن يشاء وقت ما يشاء.
الحقيقة الثالثة, أنّ الحراك الذي يطالب بمحاربة الفساد, وإعادة أموال الدولة المنهوبة, وتصحيح المسار السياسي والاقتصادي, يُعدّ سنداً للحكومة التي تريد الإصلاح, وليس تعطيلاً لحركتها ولا عرقلةً لمسارها, بل إنّ رئيس الحكومة المقتنع بالإصلاح يزداد قوة عندما يكون الشعب من خلفه, وداعماً لبرنامجه, ولذلك على الحكومة أن لا تضيق ذرعاً بحراك الشارع, وإنّما عليها الحوار والاستجابة لما هو حقٌ مشروع وحراك الإصلاح دعم لحكومة الإصلاح في مواجهة قوى الشدّ العكسي.
الحقيقة الرابعة, لن يصمت الشارع ولن يكف عن الحركة حتى يطمئن إلى وضع قطار الإصلاح على سكة واضحة وبينة, وحتى يثق بأنّ القطار يسير نحو محطة الديمقراطية المكتملة غير المنقوصة والسكة هذه تتمثل بخطين:
الخط الأول: إصلاح دستوري, يبدأ بدسترة تشكيل الحكومة من الأغلبية البرلمانية التي حازت على ثقة الشعب الأردني; وفقاً لبرنامج معلن يتم الانتخاب عليه, ودسترة تحصين مجلس الأمّة من الحلّ, ليصبح مجلس الأمّة سيد نفسه, ودسترة انتخاب مجلس الأعيان وفقاً لشروط محددة أو إلغاؤه.
الخط الثاني: وضع قانون انتخابات جديد, ينقل الأردن نحو الديمقراطية الحزبية بحيث يكون الانتخاب على أسس سياسية وبرامجية وليس على أسس عشائرية وجهوية ضيقة, والاقتراح المفضل شعبياً 50% للدوائر الجغرافية, و50% قوائم نسبية مغلقة.
ولذلك يمكن تقديم نصيحة ثمينة للحكومة بأن نبدأ بأولوية إصلاح السكة, قبل إصلاح القطار, وأن تجعل القطار يسير آمناً على خطَىْ السكة السابقين, مع التأكيد على مناحي الإصلاح الأخرى من اقتصادية وتربوية وعلمية وفكرية وثقافية. (العرب اليوم )