الاستشراق والقومية العربية

- ينشغل بعض المثقفين هذه الايام بالتمييز بين مدارس الاستشراق الانجلو سكسونية والفرنسية والالمانية, ويريدون من ذلك توفير غطاء ما لعودة ما لاستعمار جديد ما, فرنكفوني او انجلوسكسوني, حسب حالة كل منهم, مما استوجب العودة مجددا الى اعادة النقاش حول مفهوم الاستشراق واشكاله الجديدة:
1- رغم الاهتمامات الاستشراقية العامة التي طالت الصين وايران والهند وتركيا.. الا ان العرب ظلوا الميدان والموضوع الرئيسي له بما يجعلنا نستنتج ان الاستشراق هو حالة من (الاستعراب) السلبي كما سنرى, وكما لاحظ الدكتور هشام غصيب فقد استبقى الغرب لنفسه حقل السوسيولوجيا مثلا تاركا للشرق حقولا اخرى, الانثروبولوجيا مثلا علم اناسه للهنود الحمر والسكان الاصليين في بلدان عديدة.
2- تركيز المستشرقين جميعا, سواء كانوا علماء حفريات اجتماعية وثقافية او كانوا جواسيس مثل ماسينيون ولورنس على قضايا واحدة هي الذات الرملية التي لا تذوب ولا تندمج على حد تعبير الفرنسي (رينان) فالمطلوب منع الامة العربية من اكتشاف روحها الجمعية وليس بلا معنى تركيز الاستشراق على التصوف والمتصوفة (ابن عربي والحلاج والسهرودي والعطار) وغيرهم) وعلى فكرة الاغتراب الفردي البدائية ( كما لاحظ هيغل) وهي غير فكرة الاستلاب الجمعي والفردي الرأسمالية.
3- فيما يخص ايامنا الحالية, ما هو سر كل هذا الاهتمام الفكري والروائي باصول العرفانية والمسيحية وبالعالم الصحراوي (الرملي) كما في اعمال محمد عابد الجابري وكويلو وامين معلوف ويوسف زيدان, وجميعها مناخات للذوات الرملية المعادية للقومية العربية, وهل هي مجرد مصادفة ان تتزامن هذه الاهتمامات مع حقلين موازيين استهدفا فكرة القومية العربية, هما الحقل السياسي والحقل الايديولوجي, وكلاهما من انتاج مثقفين يهود امريكان على تواصل (غريب) مع مثقفي الثورات البرتقالية العربية الحالية (سعد الدين ابراهيم, بشارة, وغليون وزيادة)
في الحقل السياسي - نصطدم مع مشروعين بقدر ما يبدوان مختلفين بقدر ما يبدوان متوحدين في جوهرهما: الاول لليهودي برنار لويس الذي يدعو لاطلاق اوسع عملية تذرير (من ذرات) وترميل (من رمل) لبقايا الدولة القطرية العربية وتحويلها الى كانتونات طائفية وجهوية مع تركيز خاص على سورية والعراق حيث يرى لويس انهما وراء فكرة القومية العربية.
اما المشروع الثاني, فهو مشروع يهودي آخر هو دانيال بايبس (الصديق المفاجئ لبعض الاسلاميين بعد ان كان متهما بالتحريض على الصور المسيئة للرسول الكريم).
وسر هذه الصداقة المفاجئة ان اليهودي بايبس يخشى من ان يقود انفجار الدولة القطرية العربية الى اعادة الاعتبار للقومية العربية, فيقترح بدلا من ذلك الحفاظ على فلسفة الشظايا والذوات الرملية في اطار مشروع اسلام عثماني..
هذا عن الحقل السياسي, اما عن الحقل الايديولوجي الموازي فيعود الى التفكيكية كفلسفة راهنة للرأسمالية في حقبتها الامبريالية عموما وفي المحيط العالمي ومنه العرب, خصوصا..
وليس بلا معنى, هنا ان دريدا مؤسس هذه الفلسفة وهو يهودي امريكي من مواليد الجزائر.. لا يتذكر من الشرق والجزائر سوى النظرة الاستشراقية ونزعاتها المعادية للقومية العربية. (العرب اليوم )