«مالتوس» العربي !

- لا نعرف حتى الآن من هو؟ وما إذا كان اسماً حركياً أو مستعاراً، في زمن استخدمت فيه الأسماء للتضليل فأصبح الاحتلال تحريراً، والفساد ثقافة والخيانة مجرد رأي آخر، فمالتوس العربي ليس عالماً في فقه الديمغرافيا وأساليب تحديد النسل رغم ان مهمته لا تختلف عن هذه المهمة, فالعرب يفقدون يومياً المئات وفي نشرة اخبار واحدة يلتقي ستون عراقياً واربعون سورياً وعدد من الفلسطينيين في باطن هذه الارض، ولكل موت سبب.
واذا أضفنا هؤلاء الضحايا الى من تسحقهم السيارات وتسقط بهم العمارات المغشوشة البناء والعبارات التي انتهت صلاحيتها فإن الرقم يصبح كارثياً.
وقبل اعوام فقط كان علماء الاجتماع اليهود يشكون من قدرة المرأة العربية على الانجاب، بحيث يصل معدله الى سبعة من الابناء والبنات لهذا تحدثوا كثيرا عما سموه اللغم الديمغرافي الموقوت وإنهم سيصبحون اقلية الاقلية في غضون عشرين عاما في فلسطين.
مالتوس الجديد سمع شكواهم، فأصبح عدد من يسقطون برصاص ذوي القربى وذوي البعدى على السواء من العرب ينافس عدد من يولدون، خصوصاً أن من يولدون في بعض الاقطار العربية لهم توائم من التشوهات والامراض واصابات النفايات النووية وبقايا الحروب.
قبل خمسة عقود كان عدد العرب مائة مليون فقط، وكان هذا الرقم يتكرر في الأغاني السياسية والاناشيد، والآن اصبحوا يتجاوزون ثلث المليار لكن هذا الرقم لا يرد في اغنية او نشيد، ولا تذكره الاخبار لأن المسألة ليست بالكثرة أو القلة، في ثقافة كثقافتنا كرست مفاهيم من طراز رجل قد يكون خيراً من ألف ، أو ما أكثر الاخوان حين تعدهم، لكنهم في النائبات قليل..
كان الموت في زمن المائة مليون او اقل يأتي من جهة معلومة، ولم تكن البوصلات قد اصابها العطب، بحيث تعددت جهات الموت، واصبح خلف الروم روم وروم وروم بمختلف الاسماء والاسلحة والشعارات.
ان المالتوسية السياسية الجديدة تشكو من غموض في نسبها ومرجعياتها، ما دام هناك طرف ثالث خفي في كل حراك وطني وما دام الشقيق قد اصبح لدوداً بقدر ما اصبح العدو حميماً.
ولم يخسر العرب في حروبهم الست مع عدوهم التاريخي والوجودي لا الحدودي نسبة تذكر ازاء ما خسروا في حروب الاخوة الاعداء تحت شعار ظلم ذوي القربى الاشد مضاضة.
ان آلاف القتلى والشهداء هم مجرد ارقام صماء. فلا اسماء لهؤلاء الا بالنسبة لذويهم الذين يدفنونهم في صمت وتطوى بعد الدفن ملفات الجرائم، ما دام هناك نائب فاعل مجهول او حرب غير محددة الاطراف.
الاخطر من كل هذا ومن كل ما يمكن ان يقال هو ان الموت بالجملة اصبح خبراً.
مألوفاً في الفضائيات والارضيات وحتى البرمائيات، وهذا التأقلم ليس ايجابيا على الاطلاق، لأنه تسليم بالامر الواقع وسيعقبه اذا استمرت المتوالية الحمراء رفع شعار قديم بائس هو انج سعد فقد هلك سعيد.
رغم ان سعداً لن ينجو على الاطلاق، ليس فقط لأن حكاية الثور الابيض تحولت الى أمثولة في الذاكرة الجريحة، بل لأن من اعتدى على سعد سيتمدد الى سعيد وكل السعداء الحمقى الذين يريدون النجاة ولو على خازوق أو لمدة يوم واحد.
كان مالتوس رجلاً وعالماً وصاحب نظرية بتحديد النسل، لكن مالتوس العربي فريق غير قابل للفرز حتى الآن على الأقل، وله أسلوب دموي بتحديد النسل عن طريق الإبادة بالتقسيط!(الدستور)