السقوط الليبرالي لليسار السوري

- على مدار سنوات اقامتي في سورية ولبنان (1975 - 1990) فأنا مدين لليسار الراديكالي السوري بما انتهيت اليه من افكار وقناعات, واقصد بهذا اليسار المجموعات المعارضة الثلاث: رابطة العمل الشيوعي, والحزب الشيوعي- جماعة رياض الترك, وحزب العمال الثوري العربي- جماعة ياسين الحافظ .. فبفضل أدبيات هذه الجماعات وجدت نفسي على ما انا عليه, قومي عربي يساري; يربط بين معركة الحرية ضد الفساد والاستبداد وبين معركة الوطن والامة ضد الامبرياليين والمحتلين والرجعية وبين المعركة الايديولوجية ضد الثقافة الرأسمالية بكل تجلياتها, العدمية والوضعية والليبرالية والطائفية.
ومن المؤسف انني مع القليل من الاصدقاء السوريين والعرب في مواجهة إنقلاب الاكثرية في الاحزاب والقوى الثلاث على برامجها السابقة, كيف:-
1- ما ميز الحزب الشيوعي - رياض الترك في بداياته انه أعاد الاعتبار لعدة موضوعات غابت عن الحزب الشيوعي الملتحق بصورة ذيلية مع حزب البعث الحاكم فقد اعاد الاعتبار لقضية فلسطين رافضا كل اشكال التسوية ومؤكدا ثقافة التحرير والمقاومة, كما اعاد الاعتبار لقضية الامة والمسألة القومية العربية, وربط التحرر الوطني والديمقراطي لسورية بالقضايا السابقة.
2- ما ميز رابطة العمل الشيوعي اجتهاداتها النظرية عن الصراع الطبقي والدور الثقافي فيه, وحول الصراع العربي- الصهيوني .. وقدمت انطلاقا من ذلك رؤية مختلفة للصراع على سورية, خاصة بين النظام وبين الاخوان المسلمين, بوصفه صراعا بين برجوازية بيروقراطية حاكمة وبرجوازية تقليدية, ومن مقاربات ذلك كراس الرابطة عن البونابرتية ومتى تتنازل البرجوازية التقليدية عن سلطتها السياسية لحماية سلطتها الاقتصادية ومتى تحاول استعادة السلطتين اذا توفرت اداة سياسية اخرى غير البونابرت ... الخ
3- ما ميز حزب العمال الثوري العربي »انسجام وترابط خطوطه« الفكرية والسياسية حول الخاص الوطني والعام القومي وحول العلاقة بين الايديولوجيا والسياسة.
وكما تلاحظون فان مجمل هذه التصورات كانت ابعد ما تكون عن الاوهام الليبرالية التي تعزل الوطني عن القومي, والديمقراطي عن الطبقي ... الخ, وهو الامر الذي تخلت عنه كل هذه القوى.
وبتقريب الصورة اكثر, بوسع المهتمين متابعة ثلاثة متحدثين يظهرون على الفضائيات: عبدالرزاق عيد المقرب من جماعة رياض الترك, وعبدالعزيز الخير »حزب العمل الشيوعي- الرابطة سابقا«, وابو حيان المقرب من حزب العمال, فماذا قالوا ويقولون وما هو القاسم المشترك بينهم. القاسم المشترك هو التنصل من خطابهم السابق لصالح ليبرالية مشوهة تحاول الإتكاء على تأويلات هنا وهناك .. والمهم فيها مغادرة خطاب حركة التحرر الوطني والقومي السابق وفصل الديمقراطية عن النضال ضد التبعية والرأسمالية ..
ذلك ان الخطاب الليبرالي هو الوحيد المقبول عند مراكز »التدخل الاجنبي« وهو الوحيد الذي يسمح لهم باقامة تحالفات مع اعدائهم الطبقيين من الرأسماليين, ومع اعدائهم الايديولوجيين من جماعة الاسلام السياسي »السني«.
بالمقابل, ثمة أقلية تعلمت في مدرسة اليسار السوري المعارض قبل سقوطه الليبرالي, وانا احدهم فهم الذين تغيروا الى الأسوأ ولسنا نحن الذين ننقدهم من موقع خطابهم السابق لا من موقع النظام وخطابه.(العرب اليوم )