أهداف التصعيد الإسرائيلي ضد حماس

- مساران متلازمان يتخذهما التصعيد الإسرائيلي ضد حركة حماس هذه الأيام: غارات شبه يوميه وأعمال قتل واغتيالات متواصلة في قطاع غزة، واعتقالات في الضفة الغربية شملت الدكتور عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني والنائب خالد طافش عن حركة حماس، وسط توقعات باتساع نطاقها لتشمل قيادات أخرى...وبالتوازي مع هذين المسارين، الأمني والعسكري، واصلت تل أبيب مسار التصعيد السياسي ضد الحركة المُتهمة بتخزين ترسانة عسكرية متطورة، وتدريب جيش من المقاتلين المحترفين في القطاع، على طريقة ما فعله حزب الله في لبنان.
والحقيقة أن إسرائيل ما انفكت خلال الأشهر الفائتة، تقرع طبول الحرب على قطاع غزة، وآخر التقارير في هذا الصدد تقول أن رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي أصدر تعليماته لقواته، بالاستعداد لشن عدوان جديد على القطاع في غضون الأشهر القليلة القادمة، تتخطى في أهدافها وأدواتها وكثافة نيرانها، حرب “الرصاص المصبوب” على القطاع قبل ثلاث سنوات، باعتبار أن القطاع ومن خلفه شبه جزيرة سيناء، قد باتا يشكلان مصدر تهديد جدي وخطير للأمن الإسرائيلي خصوصا بعد سقوط نظام حسني مبارك، وانتعاش ما تصفه إسرائيل بـ”شريان الإرهاب” الممتد من إيران مرورا بالسودان ومصر وانتهاء بالقطاع المحاصر.
في البحث عن الأهداف والنوايا الكامنة وراء هذا التصعيد الأمني والعسكري الإسرائيلي، لا يستطيع المرء أن يفصل ما بين هذا التصعيد متعدد المسارات من جهة، وانتعاش جهود المصالحة الفلسطينية وتحقيقها تقدماً ملموساً من جهة ثانية، لكأن إسرائيل بخطواتها هذه، تريد أن تصب زيتاً على نار الخلافات الفلسطينية، وأن تضيف إليها خلافاً جديداً حول طبيعة الخطوة التالية التي يتعين على الفلسطينيين اتخاذها رداً على التصعيد الإسرائيلي، ولقد بدأنا نلحظ في الحقيقة، انعكاسات هذا التصعيد على المواقف والتصريحات الفلسطينية.
وثمة هدف آخر، لا يقل أهمية عن الهدف السابق، ويتمثل في “التشويش” على التحوّلات التي تجريها حركة حماس على خطابها السياسي، تزامناً مع “ربيع العرب” و”المصالحة الفلسطينية” و”الصعود الإخواني” في المنطقة، وهي تحوّلات ترشّح الحركة للإنفكاك من أطواق العزلة بعد أن بدأت عواصم غربية عديدة بالانفتاح على مستويات مختلفة، مباشرة وغير مباشرة، على الحركة، متجاوزة “شروط الرباعية الدولية الثلاث”.
ومما لا شك فيه، أن إسرائيل بحملات التصعيد الأمني والعسكري ضد حماس، إنما تستهدف عزل الأصوات المنادية بقوة داخل حماس، لتسريع هذه التحوًلات والاستعداد لولوج عتبات مرحلة جديدة، وتمكين الأصوات “المتشددة” من فرض أجندتها على الجدل العام داخل الحركة والساحة الفلسطينية، مستفيدة من مناخ التصعيد الأرعن الذي تمارسه حكومة ليبرمان – نتنياهو، من دون مسوّغ أو مبرر.
وأحسب أن التلويح بحرب جديدة على غزة، ما زال في إطار “التهويل” و”التخويف” و”الابتزاز”....ذلك أن إسرائيل تدرك تمام الإدراك، أن “رصاصاً مصبوباً” جديدا على القطاع المحاصر، ستكون له تداعيات فلسطينية وعربية ودولية، أشد خطورة هذه المرة، وأن إسرائيل ستضطر في 2012 إلى المجازفة بمواجهة مع الشوارع العربية المنتفضة، بخلاف ما كان عليه الحال في العام 2008، عندما تطوعت نظم الفساد والاستبداد للقيام بمهمة قمع الشارع العربي وتطويعه....وسوف يكون لعناقيد الغضب” التي ستلقيها إسرائيل على غزة، وقع مختلف على الرأي العام الدولي، الذي بات أشد حساسية ورفضاً لمثل هذه الجرائم غير الإنسانية.
طبعاً، لا يجوز للمرء أن ينام على حرير الرهانات و”التحليل المنطقي”، فكم من عدوان شنته إسرائيل على الفلسطينيين والعرب، لتكتشف صبيحة اليوم التالي، أن القرار بشأنه لم يكن “عقلانياً”، وأن دوافع حزبية ضيقة ومصالح أنانية لجنرالات تل أبيب وسياسييها، كانت المحرك الرئيس لهذا العدوان أو ذاك، وليس حسابات نظرية الإمن الإسرائيلية ومندرجاتها، الأمر الذي يملي الاستعداد لمواجهة احتمالات حرب جديدة على غزة، وكأنها واقعة “غدا”.
لقد تخطى مسار المصالحة الفلسطينية استحقاق المفاوضات المُستأنفة في عمان...والمؤكد أنه سيتخطى تحديات التصعيد الإسرائيلي، بل ومن الواجب أن يكون هذا التصعيد حافزاً إضافياً لتسريع جهود استعادة الوحدة وإعادة بناء المنظمة وإتمام المصالحة الناجزة...هذه هو الرد الأسلم على “المُداخلة” الإسرائيلية الدامية و”المُفخخة”.(الدستور )