العبور الثانى للجيش

تم نشره الثلاثاء 24 كانون الثّاني / يناير 2012 04:37 مساءً
العبور الثانى للجيش
محمد أبو راشد المرصفى

كما أذهلت القوات المسلحة العالم فى عام 1973 وعبرت قناة السويس و حطمت خط بارليف فيما سمى بالعملية بدر سنة 1973 فإنها بنفس العزيمة و المستوى الخططى عبرت بالشعب كله و ليس بالقوات المسلحة فقط الفترة الإنتقالية فى أول إستحقاقات الثورة بإنعقاد مجلس الشعب ووضعت مصر على طريق الديمقراطية و التقدم. والفرق بين العبورين كبيراً جداً لصالح العبور الجديد فى 2011 – 2012.
رسالة المشير طنطاوى يوم 23 يناير فى إفتتاح مجلس الشعب للدكتور الكتاتنى التى يقر فيها بأن المجلس العسكرى قد سلم السلطة التشريعية و الرقابية إلى مجلس الشعب المنتخب بالإضافة إلى تأكيده على أنه يعمل على إنجاز إنتخاب رئيس جديد للبلاد قبل إنتهاء يونيو القادم أجلت الغموض و أذهبت الشك. وبهذه الرسالة يكون المجلس العسكرى قد أوفى بما قطعه على نفسه من وعود و أثبت جديته للمتشككين فى نواياه. و رد الدكتور الكتاتنى على المجلس العسكرى برسالة شكر وعرفان بالجميل للجبش على إنحيازه للشعب و حماية الثورة و توفير أنزه إنتخابات فى تاريخ الوطن.
القوات المسلحة التى صمدت عندما إنهارت أجهزة الدولة جميعها و لو إنهارت القوات المسلحة لإنهارت الدولة و لأصبحت مصر صومالاً جديدا. و لكنهم "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" فأضافوا إلى تاريخهم مجدا جديدا بميدالية 25 يناير. فهكذا يصنع التاريخ ليكون 25 يناير يوما مجيدا فى تاريخ القوات المسلحة بينما يصبح يوم العار و الخزى لأجهزة الأمن و أجهزة أخرى.
تحمل الجيش الأيذاء المعنوى : تحمل المشير شخصيا و المجلس الأعلى للقوات المسلحة و ضباط و أفراد الجيش الخسائر البشرية و المادية و لكن هذه تعد خسائر بسيطة إذا ما قورنت بالعائد. فخسارتهم البشرية شهادة عملوا لينالوها و هى شهادة لاتقل بل تزيد عن الشهادة فى الميدان. فحماية الجبهة الداخلية أكثر حرجا للشعب من الحدود الخارجية. و خسارتهم المادية تعوض من قوت هذا الشعب طائعا مختارا و لكن ما أثر فى الجيش حقا هو الخسارة المعنوية و هو يرى فى وسائل الإعلام مقدمى البرامج و بعض مايسمى بالنخبة و بعض ممتهنى الثورجية يسبون الجيش و يتهمونه بأخس الإتهامات التى لايحتملها العسكريين المخلصين من أن لهم سياسة ممنهجة لإطلاق الرصاص و دهس و تعرية المتظاهرين. وللأسف لم تفلح كافة الشروح و التأكيدات التى صاغها أعضاء المجلس الأعلى المحترمين فى التأكيد على أن القوات المسلحة التى هى ملك للشعب كله لايمكن أن ترتكب مثل هذه الأعمال أو أن من سياستها القتل أو الدهس. و إستمرأ البعض عرض الجيش فى مهزلة إستمرت لشهور. و تصاعدت وتيرتها فتكلم البعض عن المؤسسات المدنية التى يملكها الجيش و تحكمه فى الإقتصاد القومى و إنعدام الرقابة. و كل هذه إتهامات باطلة تنم عن عدم معرفة بمنظومة القوات المسلحة.
ولكن الجيش أغلق جروحه بملح و أبى إلا أن يستكمل مهمته المقدسة ألا و هى نقل مصر لمصاف الدول الديمقراطية. وفى أشد الأوقات حلاكة بعد الأحداث المفتعلة فى شارع محمد محمود تخرج تصريحات أكثر إصرارا على إنجاز الإستحقاق الإنتخابى. لم يعطى الجيش أى إعتبار لهذه الإتهامات و مضى فى طريقه و مهمته المقدسة.
فصمم الجيش على إخراج الإنتخابات فى أبهى صورة أذهلت الداخل و الخارج لتكون رداً على الإفتراءات. ووقف على مسافة واحدة من كافة التيارات و الأحزاب و الجماعات فى نزاهة مذهلة. و إنتهت بعقد جلسة مجلس الشعب يوم 23 يناير 2012 فى يوم مشهود. يرأس فيه المجلس الدكتور الكتاتنى من حزب الحرية و العدالة الجناح السياسى للإخوان و الدكتور أشرف ثابت من حزب النور ممثل التيار السلفى و النائب عبدالعليم داوود من حزب الوفد. مجلس ذو أغلبية إسلامية تصل إلى 70% معظمهم قضى أعوما و أعوام فى غياهب السجون.
محاولات تحريض الجيش على الخيار الديمقراطى : بدأت محاولات تحريض الجيش على الإنقلاب على الديمقراطية من أول يوم تولى فيه المجلس العسكرى السلطة. فبمجرد إعلان أسماء أعضاء لجنة صياغة التعديلات الدستورية و بروز إسم المحامى القدير الأستاذ صبحى صالح تطايرت الإتهامات بالتواطئ مع الإخوان بالرغم من وجود الدكتور البنا من حزب الوفد. وفى كل مرحلة من المراحل قبل الإستفتاء و بعد إعلان النتيجة و قبل الإنتخابات التشريعية و بعدها. وكانت التهمة جاهزة حتى تواترت الجملة الشهيرة فى الجلسات الخاصة لما يسمة بالنخبة مع أعضاء المجلس العسكرى "إنتو كده بتسلموا البلد للإخوان". يعنى أن الإجراءات  الديمقراطية حتما ستأتى يالإخوان و سيكون الجيش مسؤولا عن ذلك و أن هؤلاء الإخوان سيتخذون الديمقراطية كوسيلة لمرة واحدة توصلهم للسلطة ثم يتم كسرها فلا يستطيع أحد أن ينتزعها منهم. ثم توالت الضغوط من قائل "الدستور أولا" أى يكتب الدستور فريق غير منتخب مكون من مشاهير القنوات الفضائية و كل فريق حسب عدد القنوات و مرات ظهوره بها. و من قائل تسليم السلطة لمجلس رئاسى يضعه بعض الشباب المعتصم بالتحرير. بل وصل الأمر بأحدهم و مازال مصرا إلى اليوم على فترة إنتقالية 2-3 سنوات.
شعار الجيش للمرحلة "العمل فى صمت" : حاول الجيش أن يوضح موقفه و لكن دون جدوى فلا أحد عنده إستعداد يسمع و إذا سمع لا يفهم. وكان على ثقة بتأييد غالبية الشعب. ودليل ثقته أنه عندما تقاقمت الأمور و إستلذ البعض بشعار "يسقط حكم العسكر" عرض المشير على السياسيين إجراء إستفتاء و ياللمفاجأة فقد رفض دعاة الليبرالية و الديمقراطية اللجوء للشعب  و كان المبرر أقبح فقد أعلنوها صراحة أن المجلس سيفوز بالإستفتاء و ساعتها يكون قد تم تقنين وضع المجلس العسكرى فى الحكم لمدة طويلة. و لم يستغلها الجيش فرصة لأنه لايطمع فى السلطة. فلما لم يجد جدوى من الأحاديث الإعلامية دخل فى صمت إعلامى شديد و إلتفت إلى معركة الإنتخابات.
ثوابت الجيش خلال المرحلة : إلتزم الجيش خلال المرحلة بعدة ثوابت ألزم بها نفسه فى قانون غير معلن لم يستطع قراءته الكثيرين و حتى من قرؤوه لم يكن عندهم ثقة. هذه الثوابت تلخصت فى :
•         إحترام الخيار الشعبى : كان واضحا تمسك الجيش بالإعلان الدستورى و عدم إنتهاكه رغم أوراق الجمل و السلمى و تصريحات شرف ومناشدات التيارات الليبرالية و الإعلامية. وأعلن مرارا أنه سيحترم الخيار الشعبى و ما ستفرزه صناديق الإقتراع و أنه سيسلم السلطة لأى من كان.
•         تسليم السلطة لمؤسسات منتخبة : فى كل مرة يتم إفتعال إضطرابات ثم يخرج الحل من بعض القوى الثورية فى ورقة صغيرة كأنها طوق النجاة للمجلس العسكرى فيها بعض الأسماء مرة لمجلس رئاسى و مرة لمنصب رئيس الوزراء. كان الجيش يركلها بحذائه ويعلنها صراحة أن السلطة سوف تسلم لمؤسسات منتخبة.
•         الوقوف على مسافة واحدة من كافة التيارات : يشهد الجميع أن الجيش لم يقرب حزبا و لا جماعة بل كان يحرص دائما على الإستماع للكافة. بل كان الجيش يعلم لدرجة اليقين قوة التيارات الدينية فى الشارع و مع ذلك كانت المسافة بينه و بينها أكثر بعدا ليس من منطلق عدائى بل من أجل عدم إعطاء الفرصة للقيل و القال.
شيطنة الجيش : لما وضح للتيارات الإعلامية و الليبرالية وضوح موقف الجيش وعدم الإستجابة لكافة الدعوات المنحرفة عن الطريقة الديمقراطية إتجهت الخطة إلى منحى آخر ألا و هو شيطنة الجيش. فبدأ إستغلال الأخطاء الفردية لأعضاء الجيش و تضخيمها و الإيحاء للرأى العام أنها سياسة عامة للجيش (أحد التسجيلات لواحد ممن يقال عنه أنه من محركى الثورة يقول ذلك بالحرف ). وفتحت الوسائل الإعلامية أبوابها على مصراعيها للهجوم الشديد على الجيش حتى وصل الأمر بأحد الأحزاب السياسية إلى رفض الجلوس مع الفريق عنان. إستمرت حلقات الإضطرابات و وقائمة الأسماء لعل أن يلين للجيش قناة و لكن نسى هؤلاء مع من يتعاملون.
أخيرا يجب أن نعترف بالفضل لله ثم ثم للسيد المشير و للمجلس الأعلى و لضباط و أفراد القوات المسلحة.بعد إن إتضح للجميع صدق الجيش فى خططه لتسليم السلطة و بعد أن أتاح لنا الفرصة للإستمتاع بالعرس الديمقراطى على الهواء مباشرة هل سيخرج الثوار خصوصاً الإسلاميين منهم من الإرهاب الفكرى بالهتاف مرة أخرى "الشعب و الجيش إيد واحدة" فى ميدان التحرير بدون أن يتهموا بالتآمر مع المجلس العسكرى؟


كاتب مصرى



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات