«الوحدات والفيصلي» نموذج للثنائيات القاتلة

- يلعب الوحدات والفيصلي فيفوز الوحدات ويتأهل الفيصلي وهذه معجزة لأنها منحت الفريقين فوزاً كل على طريقته.
الخطط الأمنية كانت الأهم لأن المخاوف من المواجهات بين انصار الفريقين بلغت ذروتها ما استدعى وضع خطة امنية نجحت بإخراج فريق الوحدات ثم جمهوره وفي وقت لاحق خرج فريق الفيصلي الفائز عملياً وجمهوره ليحتفوا بفوز اثار سعادتنا جميعاً.
ما تأسف عليه يتعلق بثقافة الثنائيات في البلد وهي ثقافة تم تكريسها على مدى عقود فمثلما هناك رياضي وحدات وفيصلي هناك ثنائيات اجتماعية وعرقية ودينية لا تعد ولا تحصى: شمال وجنوب، فلسطيني واردني، شركسي وشيشاني، مسيحي ومسلم.
ذات الثنائية تراها حتى فى التفاف الجمهور حول المؤسسات الاقتصادية فهؤلاء يودعون اموالهم تاريخياً في هذا المصرف واولئك مقابلهم يودعون اموالهم في مصرف شهير يقابل المصرف الشهير الاول.
الثنائيات نراها نصوصا قانونية ايضا في محتوى قانون الانتخاب وكان بالإمكان جلب ذات النتائج المقصودة عبر رسم الدوائر دون تسمية ُتكرس الثنائيات بتعريفاتها الدينية والاجتماعية والعرقية.
تأخذك الثنائية الى تقاسم آخر تحت عنوان "لنا الإمارة ولكم التجارة" وهكذا ينشغل اناس من شعبنا في وظائف حكومية لا تضر ولا تنفع وينطلق آخرون من شعبنا مباشرة الى القطاع الخاص الذي لم يعد يضر أو ينفع لينغمس الفريقان في بحر "الثنائية".
تخطفك ظاهرة الثنائيات ايضاً الى المستويات الاجتماعية هذا مدني وذاك فلاح هذا فلاح وذاك ينتمي للبادية ان كانت هنا او من بلد آخر وهكذا ننشطر بوسائل لا تعد ولا تحصى سياسيا ودينيا ومذهبيا ورياضيا واقتصاديا ومصرفيا.
الثنائية لم تأت من فراغ لكنها ُتعبّر من جهة اخرى عن حالة انقسام اجتماعي وظيفي تحت الرماد ولأن السياسات لم تصهر الناس معا تحت ما تعنيه المواطنة من معان وقيم واستحقاقات مقابل إثراء الثنائيات الحادة على كل المستويات.
تجد ذلك إذا قلت لصديق باعتبارك اردنياً من اصل فلسطيني انك ُتشجع مثلا الفيصلي. لم لا..! يضم شفتيه استغراباً لأنك على ما هو مفترض لا بد ان تشجع الوحدات وتضع مالك في بنك محدد وتلوذ بتعريفك الفرعي باعتبار ان هذا بنك "جماعتنا".
الأمر ذاته ينطبق على صديق آخر من السلط أو عجلون قد ُيعجب بأداء الوحدات.
لم لا..! وقد لا يجد مكاناً في مدرجات المشجعين لأنه يعاكس قاعدة الثنائية التي تم انتاجها وتثبيتها على مدى سنوات وكودها السري ادامة هذه الثنائية وظيفياً في كل شيء.
الثنائية القاتلة في البلد لا تقف عند حدود، إذ تأخذك الى ما هو أبعد، هذا من عشائر اربد المدينة وذاك من عشائر القرى وربما من الكورة وكأن الثنائية تواصل افراز عناصرها الانشطارية على كافة الجبهات.
مؤسفة هذه الثنائية وانبذها شخصياً وأراها خطرا ماثلا على وحدة البلد، خطرا قاتلا لن نفهم دلالالته إلا في حالة ضعف الدولة او تعرضها لمحن كبيرة وعندها ستخرج كل هذه الثنائيات بتعريفاتها المتنوعة لتكون وقوداً لانهيار شامل.
ما أجمل الاردنيين جميعهم دون استثناءات هنا وهم يقفون خلف المنتخب الوطني في مباراة كرة قدم فتسمع التصفيق والوطنية الاردنية تتجلي بأبهى صورها في معان وجبل النصر واربد والنزهة والتاج والزرقاء!
ما أعظمهم دون استثناءات إذ وقفوا على قلب رجل واحد بعد تفجيرات عمان التي صهرت الناس يومها في تعريف واحد امام خطر واحد لأن حدة الثنائية يومها تكسرت امام طرف هدّد الجميع!
لم تبذل حكوماتنا المتعاقبة أي جهد لإزالة هذه التعريفات بل على العكس تمت تغذيتها في القرن الواحد والعشرين وحيث يتمايز الناس بتأهيلهم وكفاءتهم واخلاصهم ومشاعرهم ومدى الانتماء للهوية الوطنية بما تعنيه من هوية جامعة.
حياتنا غارقة في الثنائيات: وحدات فيصلي، شمال جنوب، شرقي غربي، شركسي شيشاني، معان والبادية الجنوبية، مسلم ومسيحي، سني وشيعي، درزي ارمني، والامر يمتد الى اغلب العالم العربي الذي ينشطر تحت وطأة الثنائيات البدائية.
آن الأوان أن نتصرف جميعا باعتبارنا اردنيين سراً وعلنا وان تعيد السياسات رسم الداخل الاردني بشكل موّحد تحت هوية جامعة لا تعريفات فرعية فيها ولا ثنائيات انشطارية تهدد استقرار البلد ووحدته الاجتماعية عبر كل هذه التعريفات.
مباراة الوحدات والفيصلي مباراة جميلة فاز بها الفريقان الاول بالكرات والثاني بالتأهل وهذه رسالة كبيرة من السماء تقول ان بإمكاننا ان نفوز جميعا بشكل او آخر لأن للفوز اكثر من معنى.
أليس مؤلماً حاجة الدولة الى خطة امنية منعاً للشغب والضرب والمواجهات بين دم واحد وشعب واحد لكنه يعاني من ثنائية انتجتها ذات الماكينة الرسمية على الصعيد الرياضي فأصبح الجمهور كله الضحية الاولى لهذه التعريفات.
إذ يصبح كل شيء قابلا للقسمة على اثنين عليك ان تضع يدك على قلبك.
(الدستور)