أردوغان ومهند!!

- استضيفت تركيا عام 1951 بموجب المادة السادسة الاستثنائية للحلف الاطلسي كي تؤدي دوراً لا يليق بامبراطورية أو ما تبقى منها وهو افتداء الدماء الامريكية الشابة على خاصرة الاتحاد السوفييتي، ومنذ ذلك اليوم وتركيا بين مدّ وجْزر، وصراع بين الأوربة والبقاء في نطاق الاقليم الذي تربطها به أواصر عديدة.
خطرت ببالي هذه التداعيات لسببين، أولهما ما حظي به اردوغان من شعبية في النطاق العربي خصوصاً بعد انسحابه عن منصة دافوس احتجاجاً على خطاب شمعون بيريز ثم ما أعقب ذلك من تصريحات وخطابات حول حصار غزة.
وأذكر ان مقالات عديدة كتبت لادانة عمرو موسى يومئذ لأنه لم ينسحب عن المنصبة بعد اردوغان او حتى قبله، واستفزني ما كتب في تلك الايام، فنشرت مقالة أدافع فيها عن عدم انسحاب موسى بوصفه أميناً عاماً للجامعة العربية في تلك الفترة وأذكر انني قلت ما معناه ان انسحاب موسى بعد اردوغان سيجرنا مرة اخرى الى أعتاب الباب العالي، وحين التقيت الرجل في القاهرة أكد لي أن هذا بالتحديد هو سبب بقائه على المنصة، وتلك بالطبع حكاية فيها نظر.
الآن، يلعب اردوغان دور البطولة على خشبة المسرح السياسي بسبب الفراغ السياسي العربي، ويتحول الى جاذب للرجال بل الى مثال للبطولة في التصدي لمواقف عجز العرب عن التصدي لها خصوصاً ما يتعلق بإسرائيل..
الرجال انشغلوا بأردوغان، اما ربات البيوت العربيات فانشغلن بأمر لا علاقة له بالسياسة لأن معظمهن تعرضن للتهميش ومنهن أعداد كبيرة زجت في ما سماه الكاتب المسرحي إبسن "بيوت الدمى".. فالبطل الآخر هو مُهنّد ومسلسلات تركية مدبلجة، فهل ستكون هذه الحقبة التي شهدت حراكاً عربياً عنيفاً وسالت فيها دماء غزيرة حقبة أردوغان ومهند، لكن ليس على طريقة قيس وليلى أو ألمظ وعبده الحامولي، بل على طريقة جديدة تليق باختراعات هذا الوقت حيث المزيد من التواصل الوهمي ادى الى قطيعة واقعية، واصبح لعاب العربي الجائع لأي موقف من اسرائيل يسيل بغزارة اذا سمع كلمة فلسطين بأية لغة اخرى غير العربية.
وان من حقنا ان نتساءل.. عن حجم الفراغ السياسي وغياب البطولة عن المسرح من جهة، وعن حجم الفراغ العاطفي والنفسي من جهة اخرى، بحيث يصبح ثلث مليار عربي ينقسمون الى رجال يصفقون لاردوغان ونساء يضبطن ساعاتهن وساعات مطابخهن على مهند.
ان كل ما يقال سواء بجسارة أو على استحياء عما نحن فيه هو أقل من واحد بالمليار مما يجب ان يُقال.. ورحم الله يوسف ادريس الذي قال يوماً ان كل الحرية المتاحة للتعبير في الوطن العربي من خليجه الى محيطه لا تكفي كاتباً حُراً واحداً، وانا استأذن من الراحل الكبير ادريس لأضيف ان هذه الحرية التي تحدث عنها لا تكفي مقالة واحدة تستحق النشر بعيداً عن ملء الفراغات وتوابيت الورق!
ان بشراً يفكرون بهذه الطريقة ولا يفرقون بين أشكال تقبيل اللحى قد يجدون أنفسهم ذات يوم مجرد غنائم أو ولائم!!(الدستور )