«العرب» في سوريا إذ يستنسخون مبادرة «الخليج» في اليمن ؟!

- كانت روسيا من بين أوائل التي عرضت “استنساخ” المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية، سورياً...وقد استجابت الجامعة العربية لهذا العرض متأخرة بعض الشيء، فرضته روسيا...وما يجري من سجال حاد في أروقة مجلس الأمن، يعكس حالة تبدل المواقف والمواقع بين الأطراف وبسرعة مذهلة، مع ملاحظة أن مختلف الفرقاء، لم يقرروا بعد، الاستقرار في موقع أو خندق محددين، فالرمال المتحركة ما زالت تعصف بالمواقف والانحيازات والأولويات، وكل يوم يمضي سيأتي بجديد.
لقد استند بعض مؤيدي “نظرية الاستنساخ” إلى النجاح النسبي الذي حققته المبادرة الخليجية في اليمن، حيث فوَض الرئيس “المحروق” صلاحياته لنائبه، ومضى في رحلة علاج، يُعتقد أنها بلا عودة، وجرى تشكيل حكومة توافق وطني بين السلطة وبعض المعارضة برئاسة المعارض الجنوبي باسندوة، وثمة انتخابات رئاسية توافقية أيضاَ تقرع الأبواب، وبقية الرزنامة معروفة لديكم.
أما معارضو “يمننة” الأزمة السورية والمشككون بجدواها، فيقولون بأن سوريا ليست اليمن....فالرئيس اليمني كان “الفاعل الرئيس” في النظام وعموم البلاد، وهو الذي جاء بالأقرباء والأنسباء والأصهار إلى صدارة المواقع القيادية في الجيش والأمن والسلطة، و”تنحيه” يشبه في بعض جوانبه، إزاحة “حجر سنمّار” نظامه من مطرحه...ويدللون على ذلك باندلاع ثورة الأمن والجيش والقوى الجوية والمخابرات على قادة الأجهزة من أقرباء الرئيس “المحروق”، فيما يشبه بداية تفكك النظام بأكمله، وليس مجرد استبدال الرئيس بنائبه.
في الحالة السورية، يقول هؤلاء، أن الرئيس ليس سوى لاعب من بين لاعبين كثر في النظام، وقد لا يكون أقواهم وأكثرهم نفوذاً وتأثيراً...وقد جاءت به العائلة والأقرباء والأصهار إلى موقعه، ولم يأت بهم، وهو مدين لهم بكونه رئيساً، وهم ليسوا مدينين له بهذا القدر...حتى أن البعض في سوريا يتحدث عن “رئيس قيد الإقامة الجبرية” بالمعنى المجازي للكلمة، وليس بالمعنى الحرفي أو القانوني لها...وما ينطبق على الرئيس، ينطبق بصورة مضاعفة على نائبه، الذي يحتل مكانة ثانوية جداً في النظام السياسي السوري.
خلاصة قول هؤلاء، أن تنحي الرئيس أو تفويضه سلطاته لنائبه، قد لا تحدث فرقاً جوهرياً في الحالة السورية، لجهة بقاء النظام واستمراره، سيما وأن وضع المعارضة السورية، أكثر هشاشة وتفككاً قياساً بمثيلتها اليمنية، التي نجحت في إخراج ملايين اليمنيين إلى الشوارع، وشقت الجيش عمودياً، وأقامت حلفاً رئيساً مع قبائل نافذة، وهي تستند إلى حركة شبابية صلبة...الأمر الذي يعزز قدرتها على التفاوض وتحقيق الحد الأدنى من مطالبها على أقل تقدير، وهذا ما لا يتوفر للمعارضة السورية، الداخلية منها والخارجية.
يبدو أن الروس عندما بادورا للدعوة للأخذ بالمبادرة الخليجية كمدخل للحل في سوريا، إنما كانوا يدركون هذه الحقائق بدقة، فروسيا كما أوضح مسؤولوها، حريصة على النظام، لا على رئيسه، وهي تصر دوماً على نفي صفة “التحالف” مع النظام ورئيسه على حد سواء، مبقيةً الباب مفتوحاً دوماً أمام صفقات وتسويات، تكفل لها مصالحها الاستراتيجية في سوريا، ومن خلالها في المنطقة بمجملها.
لكن الحقيقة التي لا تعيرها هذه المقاربة الاهتمام الكافي تقول أن الرئيس، وأياً كانت درجة قوته أو ضعفه، يتمتع بمكانة رمزية، وبيده مفاتيح “الشرعية” التي يفتقر إليها اللاعبون الآخرون، حتى وهم في أوج قوتهم، وخروج الرئيس من دائرة التداول كما تقترح المبادرة العربية، من شأنه أن يلحق أشد الضرر بمكانة النظام السوري ووحدته وتماسكه الداخليين، حتى وإن كان مشيّداً على أسس عائلية وفئوية ومناطقية وطائفية متماسكة.
على أية حال، فإن مداولات مجلس الأمن الدولي، حول مشروع القرار العربي – الغربي، لم تصل بعد إلى طريقٍ مسدود، وثمة أوراق ما زالت في الأدراج، لم يستلّها المفاوضون لأسباب تكتيكية...وفي ظني أن فرص الوصول لتفاهم غربي – عربي مع روسيا ما زالت قائمة...وهي تعادل من حيث حظوظها فرص استخدام الفيتو الروسي ضد مشروع القرار، سيما إن نجحت الدول الكبرى والجامعة في إقناع روسيا بأن مصالحها في “سوريا ما بعد الأسد” لن تُمس.
أما حكاية الخشية من تدخل عسكري أجنبي في الأزمة السورية، وهي الذريعة الثانية التي تشهرها روسيا في تبرير رفضها لمشروع القرار، فأحسب أنها ليست حكاية متماسكة، ذلك أن أحداً من القوى القادرة على فرض هذا التدخل، ليس في وارد المقامرة بحرب جديدة، ولدى هذه الأطراف من الأولويات (انتخابات، أزمات) ومن تجارب الفشل (أفغانستان، العراق وحتى ليبيا)، ما يدفعها للاستنكاف عن التورط في مغامرة جديدة وفشل جديد.(الدستور)