البحرين عصية على الرياح
عندما أعلن استقلال دولة البحرين عام 1971 حاولت إيران الشاه البهلوي أن تجعل من ذلك مناسبة لضمها إليها، بادعاء أنها جزء من امبراطوريتها، و رغم أن الشاه كان على علاقة متينة مع بريطانيا الدولة المستعمرة، و يشاركها في عضوية الحلف المركزي آنذاك، إلا أن بريطانيا خذلته، و أحالت الموضوع إلى الأمم المتحدة التي أجرت استفتاء محايدا في أرخبيل البحرين قال الشعب فيها كلمة الفصل: نعم للاستقلال لا للضم... البحرين دولة عربية مستقلة.
منذ ذلك التاريخ و البحرين تبني نفسها على هذا الأساس، بزعامة آل خليفة،إمارة ثم مملكة دستورية ، فيها برلمان منتخب ، و مجالس بلدية منتخبة، لا تحكم بطريقة بدوقراطية، كما كان الانطباع سائدا عن مجتمعات الخليج، فيها الكثير من منظمات المجتمع المدني و العديد من التيارات السياسية و الفكرية و الدينية، غير أنه لا يعني أن تلك التيارات مرتبط بعضها بالخارج كلية ، أو أن بعضها منغلق إلى الداخل كاملا.ولكن مثل كل مجتمع تتعدد فيه الانتماءات و التوجهات،فمنهم من يتصور أن البحرين يمكن أن تتطور ضمن إطارها المحلي وحده ، و منهم من يرى أن الإطار الخليجي يكفي ،ومنهم من ينادي بالقومية و منهم من يرى أن الإسلام هو الحل، و السلفيون من الأخيرين يرون أن ذلك يمكن أن يكون حسب النموذج السعودي أما العكس منهم فيرون أن ذلك يمكن أن يكون حسب النموذج الإيراني.و لكن في الحالتين لا يوجد من ينادي بالاندماج في أي من النموذجين.
إن المجتمع البحريني مجتمع متماسك، رغم ما يقال عن المذهبية التي قد تفرق،و أهلها يعتزون بخصوصيتهم الثقافية، رغم أن أصولهم متعددة المنابت، وهي في معظمها من الجزيرة العربية، وحتى ما يظن أنهم من أصل إيراني (الهولة) هم أصلا من عرب الأهواز، الذين سبق أن عبروا إلى شرق شاطئ الخليج ثم عادوا إلى غربه، بعد زوال أسباب الهجرة وإذا ما تناقلت الأنباء عن مظاهرات و أعمال شغب فان ذلك لا يحدث إلا في إطار المطالبات الأهلية بتكافؤ الفرص في الاستخدام و الإسكان و حرية التعبير ، التي تحدث في أكثر من مكان و في مختلف الأزمان .
أن أرخبيل البحرين ليس جزرا خالية، بل مزدحم بالسكان، منهم 50 بالمائة مواطنون، و 50 بالمائة وافدون، منهم عدد كبير من الأردنيين من ذوي الاختصاص في الطب و القضاء و التعليم و الإعلام و الاقتصاد و كذلك ممن أسهموا في بناء قواتها المسلحة و أجهزتها الأمنية، و البحرينيون يقبلون على العمل في مختلف الوظائف و الأعمال ، ويقبلون على التعليم و التدريب، و يندفعون لاكتساب المهارات والخبرات في مختلف المجالات ، ليس لديهم غطرسة نفطية إطلاقا.
لقد اقترن إعلان المملكة في بداية القرن الحادي والعشرين الحالي بإعلان خطة شاملة للإصلاح السياسي الاجتماعي، استفادت من نماذج إصلاحية عربية و إسلامية و عالمية كتجارب الأردن و تونس و ماليزيا و تركيا. وبالمناسبة فالبحرينيون عموما يقدرون الخبرات الأردنية و الخدمات الأردنية، ومعظمهم يأتي إلى الأردن بقصد التعليم أو العلاج أو الاصطياف، كما أن القيادة فيها وسلطاتها الثلاث دائمة التواصل مع الأردن بقيادته الهاشمية و سلطاته الثلاث، لخدمة الشعبين الشفيقين والقضايا العربية الهامة.
والخلاصة إن في البحرين من المقومات ما يجعلها عصية على رياح الادعاء و الأطماع.