على مسؤولية المستشار القانوني

- في عصر الرعب الإداري والسياسي الذي نعيشه، والخوف من تهم الفساد المعلقة فوق رؤوس جميع المسؤولين، لم يكن مستغرباً أن يتم عملياً تفويض اتخاذ القرارات بالدخول في اتفاقيات أو تعاقد إلى المستشارين القانونيين، الذين تدل التجارب العملية على تمتعهم بقدرة فائقة على التعطيل، أحياناً بحجة شكليات لا تقدم ولا تؤخر. وهي قدرة لا ينافسهم فيها سوى المحاسبين مع الاحترام.
مجلس الوزراء لن ينظر بعد الآن في أي اتفاقية أو عقد يرد إليه من الوزارات والهيئات الرسمية المختلفة إلا إذا كان مرفقاً برأي إيجابي من المستشار القانوني المحلي، والقصد أن سير الشؤون العامة يمكن تعطيله خوفاً من الخطأ وشبهة الفساد، خاصة وأن المسؤول لم يعد ُيسأل عن ذمته ونزاهته فقط، بل عن النتائج الاقتصادية المستقبلية الناشئة عن قراراته، بل أن احدهم أصدر حكماً شاملاً بالإدانة على جميع من تحملوا المسؤولية، بدلالة وصول الأمور إلى ما وصلت إليه من فقر وبطالة وعجز ومديونية وتخاصية، وطالب بسجنهم سلفاً، ولا داعي للمحاكمة الجنائية ما دامت النتائج واضحة ولم يثبت نجاح المشاريع التي أقروها.
هذا التعقيد الجديد يأتي بحجة تجنب الوقوع في أخطاء قد تسبب خسائر مالية وأخطاء إدارية تلحق ضرراً بالمصلحة العامة، والحقيقة أن من يعمل يخطئ، والكمال غاية لا تدرك، والسبب الحقيقي لهذا الإجراء ليس حماية البلد من الخسائر بل حماية المسؤولين من المسؤولية، فالمسؤول يلام على قرار اتخذه ولا يلومه أحد على قرار كان يجب أن يتخذه. وهو في التحليل الأخير لا يضمن صحة اجتهاده طالما اجتهد وتصرف ضمن صلاحياته، وعلى ضوء المعلومات المتوفرة في حينه.
الحكم على صحة أي قرار يجب أن يعتمد على الظروف العملية التي تم في ظلها، وماذا كانت كلفة عدم اتخاذ القرار. وفي الحكم على نصوص العقود والاتفاقيات التي تعقدها الحكومة مع أطراف مستقلة يجب الاعتراف بأن الإتفاق يمثل نقطة الالتقاء بين الجانبين وليس إملاء شروط أحد الفريقين على الآخر، ومن حق المسؤول أن يقبل شرطاً قاسياً إذا كان البديل فشل المشروع. وأي اتفاق لا يستحق الديمومة إلا إذا حقق مصلحة وضمانات كافية للطرفين المتعاقدين، وليس لأحدهما فقط.
(الراي)