لماذا يرفضون خطوات المصالحة

كمراقب ومدقق للأحداث والتطورات الفلسطينية الجارية ، أجد نفسي طواعية ، مؤيداً لقرار كتلة حركة حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني ، القائم على رفض تولي الرئيس محمود عباس ، منصب رئيس وزراء السلطة الوطنية خلفاً لرئيس الحكومة المتفاني سلام فياض .
حجة حركة حماس ، قانونية تحمل من الوجاهة ما يكفي لتأييدها ، رغم أن دوافع حركة حماس سياسية فاقعة وإعتمادها على القانون الأساسي ( الدستور ) للسلطة الفلسطينية ، هو مجرد ذريعة ، ولكنها كافية لرفض تولي أبو مازن منصبي الرئاسة والحكومة معاً .
كمراقب سياسي لتتابع مجريات المشهد الفلسطيني ، أرفض تولي أبو مازن رئاسة الحكومة ، ليس فقط لأنه يتعارض مع القانون الأساسي ، بل لأنه يتعارض مع مجريات المشهد العربي وثورته الربيعية التي تختزل مطالبها في رفض اللون الواحد والقائد الواحد والحزب الواحد والطائفة الواحدة ، وتعمل وتنتصر من أجل تحقيق التعددية الفكرية والسياسية والحزبية ، وإحترام نتائج ما تفرزه صناديق الأقتراع ، فلا شرعية بعد ثورة الربيع العربي سوى شرعية صناديق الأقتراع والباقي مجرد أوهام وأضاليل وديكتاتوريات رجعية ، تعتمد 1- حجج تحرير فلسطين 2- تحقيق الوحدة العربية 3- بناء الأشتراكية 4- وإقامة الخلافة الأسلامية لفرض الهيمنة والسيطرة والحزب الواحد وحرمان الناس والمواطنيين والشعب برمته من فرص الحياة والتعددية وحرية الرأي والمشاركة في صنع القرار والمستقبل .
تولي أبو مازن رئاسة حكومة السلطة الوطنية ، مس مباشر للرجل وتاريخه وقيمه ، فقد تم إظهار الرئيس ونجاح برنامجه بإعتباره رجل مؤسسات وقانون يتوسل إرساء قيم الديمقراطية وإحترام نتائج صناديق الأقتراع وهذا ما فعله فجر يوم 26/1/2006 ، حينما جاءه ياسر عبد ربه وحنا ناصر وأبو هشام وأطلعوه على نتائج إنتخابات المجلس التشريعي وفوز حماس بالأغلبية النيابية ، وكان قراره لهم إحترام النتائج وإعلانها كما هي وعليها كلف النائب إسماعيل هنية تشكيل الحكومة بإعتباره رئيس كتلة الأغلبية .
حقيقة موقف حماس بقطاع غزة ، وأصحاب القرار فيها ، أنهم يرفضون تولي أبو مازن ، رئاسة الحكومة ، ليس لأن ذلك يتعارض مع المضمون الدستوري للنظام الأساسي للسلطة الوطنية ، ولو كان كذلك وأن حماس تلتزم بمضمون النظام الأساسي لما قامت بالأنقلاب ، ولما بقي إسماعيل هنية ممسكاً بمقولة أنه رئيس الحكومة الشرعي ، فهذه حجة لا يقبضها إسماعيل هنية ولا جماعته أمام أنفسهم ، ولكنها غطاء لرفض المصالحة ورفض الوحدة من أساسها ، لأن المصالحة تعني الأنتخابات وتعني وحدة المؤسسة ، وتعني إنهاء تفرد حماس وسيطرتها على قطاع غزة ، وتعني توقف الأنفاق عن التهريب .
حماس بقطاع غزة ترفض المصالحة وترفض الوحدة لعدة أسباب :
أولاً : لأن المصالحة والوحدة ستُنهي سلاح الشرعية التي ملكتها حركة حماس بحصولها على الأغلبية البرلمانية ، والإنتخابات المقبلة لن تُعط حماس الأغلبية كما حصلت عليها عام 2006 ، وإذا كان تقديرها غير ذلك فالتحدي المفروض على حركة حماس قبولها بالأنتخابات والعودة للإحتكام إلى صناديق الأقتراع من أجل تجديد شرعيتها بعد أن فقد موقع الرئيس والمجلس التشريعي شرعيتهما وإنتهت ولايتهما والتي جددها لكليهما المجلس المركزي الفلسطيني ومدد لهما البقاء في السلطة حتى الأنتخابات المقبلة .
نتائج الإنتخابات التشريعية لعام 2006 ، لا تريد حماس إنهائها ولا تريد فقدان نتائجها ولهذا تتهرب حركة حماس من إستحقاقات المصالحة وصولاً نحو الوحدة حتى لا تفقد الأغلبية البرلمانية التي تملكها .
ثانياً : لقد سيطرت حركة حماس منفردة على قطاع غزة ، على أثر الأنقلاب في حزيران 2007 وطريق المصالحة والوحدة ستعيد قطاع غزة إلى الأدارة المشتركة مع الأخرين ، وهو وضع حاولت حماس بكل السبل عدم إشراك القوى الأخرى معها في إدارة القطاع حتى بما فيها قوى سياسية حليفة لها مثل الجهاد والقيادة العامة والصاعقة ومع ذلك لم تأذن لهذه القوى بالمشاركة في إدارة القطاع ، ولذلك فإن طريق المصالحة سينهي هذا التفرد والأستئثار وهذا سبب كاف لجعل المصالحة أمر متعذر لمن يتحكم بمفاصل السلطة في قطاع غزة .
ثالثاً : لقد وفر الحصار والأنقلاب فرص التهريب وجني المال ومراكمته بوسائل غير مشروعة لدى قطاع من المتنفذين في سلطة إتخاذ القرار في غزة ، ولذلك لا مصلحة لهم بسلوك طريق المصالحة وإختيار طريق الوحدة لأنه سينهي وسائل التهريب وأدواته ويفقد أصحابه أهم مواردهم ومصدر رزقهم وعنوان نفوذهم ، ولهذا سيضعون كافة العراقيل الرسمية وغير الرسمية والشرعية وغير الشرعية ، في مواجهة خطوات المصالحة ، وقطع طريق التراجع عن الأنقلاب وإستعادة الوحدة .
أسباب جوهرية ، قوية تحول دون قبول حماس لمنطق المصالحة لأنها تفقدها أسباب تفوقها وتفردها ، وهذا سبب رفض بعض حماس لأتفاق الدوحة وإن كان مغلفاً بمنطق النظام الأساسي وتعارض الأتفاق مع نصوص النظام الدستوري .