مشروع قانون الاحزاب السياسية من المنظور الدستوري والوطني

تم نشره الثلاثاء 14 شباط / فبراير 2012 12:05 صباحاً
 مشروع قانون الاحزاب السياسية من المنظور الدستوري والوطني
احمد النجداوي

المدينة نيوز - نشرت الصحف المحلية وبعض وسائل الاعلام صيغة مشروع قانون الاحزاب السياسية الذي احالته مؤخراً حكومة السيد عون الخصاونة الى مجلس النواب للسير به وفق القنوات الدستورية؛ ومنذ نشره بدأ يأخذ حيزاً واسعاً من الدراسة والبحث نظراً للأهمية والآمال التي كانت معلقة من قبل البعض الذين احسنوا الظن او ربما أخطأوا في تقدير النوايا الرسمية والتصريحات شبه اليومية للسلطات حول التوجهات الاصلاحية والتنمية السياسية خاصة بعد كل التجارب والانتكاسات التي مررنا بها على مدى الحقب الماضية صعوداً وانخفاضاً في سقف الحريات العامة وطبيعة الحكومات وارتباطاتها في بورصة التذبذبات السياسية على الساحات المحلية والدولية والاقليمية والعربية الى جانب الرغبات والامزجة المحلية العرفية في كثير من الاحيان الامر الذي عطل او حتى اوقف محاولات التطور والتطوير لنجد انفسنا وكأننا نقف اليوم على بداية طريق التكوين والتكون مع ان الاحزاب السياسية لم تكن في يوم من الايام ومنذ نشأة الدولة الاردنية عام 1920 وحتى عام 1957 ظاهرة غريبة على المجتمع الاردني ولا دخيلة على حياته السياسية، بل ان تاريخ الاردن السياسي عبر كل تلك العهود سواء ما توافرت فيها الحريات العامة او جرى تغييبها قسراً وقهراً وعدم تشريع التعددية السياسية فإن ذلك لم يلغ نشاط الاحزاب السياسية سراً او علناً ولم يقلل من مبررات وجودها ومشروعيتها وان كان ذلك يختلف باختلاف المراحل التي كانت تمر بها البلاد، وقد ساهمت الاحزاب السياسية في كثير من الاحيان عندما كانت تتاح لها مساحات من الحريات في تحقيق العديد من المكتسبات الوطنية والقومية وبخاصة في مقاومة سلطات الانتداب البريطاني وادواتها وارتفاع وتيرة التصدي الوطني الذي توجته نضالاتها باسقاط حلف بغداد وتعريب الجيش والغاء المعاهدة الاردنية البريطانية واستبدال المعونات البريطانية بمعونة عربية... ثم في انتفاضة نيسان 1989 وغيرها ما يؤكد ان الاحزاب السياسية الاردنية ذات القواعد الفكرية والنضالية وبرغم كافة معاناة القمع والبطش والتشريد والتشكيك المعروف قد اثبتت وجودها القيادي الجماهيري وانها مؤهلة دائماً لاداء دورها لخدمة النهوض والتقدم اذا ما اعطيت ما تستحقه من الحرية لذلك فإن اي طرح رسمي او توجه حقيقي للاصلاح السياسي استحابة لطموحات الشعب وتفاعلات يجب ان يأخذ ذلك بعين الاعتبار مما يجعل اساسياً وضع قانون للاحزاب السياسية يتناسب مع التاريخ النضالي لشعبنا ووجوب اشراك ممثلي الاحزاب والقوى السياسية والنقابية في عملية وضع التشريعات المنظمة لها قبب طرحها على مجلس النواب الذي تأسس انتخابه على قانون الصوت الواحد سيء الذكر او عبر الدوائر الوهمية ونعرف ويعرف الجميع الكيفية التي جرى اخراجه بها مع الاحترام للكثيرين من اشخاصه.

ومادام ان الحكومة قد احالت مشروعها لقانون الاحزاب فإننا وبعد دراستنا له نرى فيه:-

أولاً: من حيث المبدأ فإن مشروع قانون بمثل هذه الاهمية الدستورية والشعبية لا يجوز ان يتم وضعه من قبل السلطة التنفيذية بمعزل عن القوى السياسية والاجتماعية المقصودة به اصلاً وذلك استمراراً للنهج الفوقي البيروقراطي الذي مارسته الحكومات المتعاقبة على مدى عقود الحكم العرفي والمراحل المشابهة بعده حيث الالغاء الشكلي فقط لذلك الحكم مع استمرار ادواته وممارساته؛

v ويتضح كذلك ومن حيث المبدأ ان الحكومة الحالية وما سبقها من حكومات لم تدرك بعد طبيعة المتغيرات والتحولات على الساحات الوطنية والاقليمية والدولية وما يقتضي ذلك وجوباً من ضرورات التخلي او التشبث بافرازات العهود السابقة التي كانت تتعمد تعطيل واعاقة التنمية السياسية مما ترتب عليها الغاء دور الرقابة الشعبية الذين يتلاعبون او يتصرفون على مقدرات البلاد مما ادى الى حضيض الوهن والفوضى والجوع والمديونية الراهنة.
v لذلك فإننا نعترض على مشروع القانون المطروح ونطالب باعادته للبحث بمشاركة كافة القوى السياسية والاجتماعية المعنية بالامر.
ثانياً: ان تكوين الاحزاب السياسية كما حرية الرأي والتعبير هو حق دستوري وطبيعي اقرته المادتان 15 و 16 من الدستور الاردني وبالتالي فهو ليس مِنةً ولا منحة من الحكومة او غيرها كما هو الواضح من تصرف الحكومة بالموضوع اذ لخص الدستور ذلك الحق الطبيعي وان لا قيد على ممارسته الا قيد واحد فقط هو [ ان لا يخالف احكام الدستور ].

v لكن مشروع القانون المطروح الذي جاء في [ 38 مادة ] منه هي بمجملها قيود على الحق الدستوري اي ما يقرب من (20) ضعفاً للنصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الاردنيين الطبيعية والاساسية...!! وهذا الواقع بحد ذاته يكفي للاعتراض على القانون ومطالبتنا برده.

v ورغم الاختلاف الفقهي في تعريف ومعايير [ الحزب السياسي ] الا ان اي اقتراب من التعريف الصحيح يؤكد ان الحزب السياسي هو جماعة منظمة من الافراد تتمسك باهداف مشتركة، وتمثل مصالحها، وتهتم بالرقابة على سلطة الحكومة، وتسعى للوصول الى السلطة او التأثير على قراراتها.

فكيف يمكن للحكومة اي حكومة والامر كذلك ان تنفرد بصياغة قانون للاحزاب السياسية قد يمكن جماعة منظمة من الافراد من تشكيل رقابة على سلطتها او تسعى للوصول الى السلطة بديلاً عنها او التأثير في قراراتها...؟! وهل يمكن للحكومة ان تبلغ من النزاهة والتفاني الوطني لتعمل ضد نفسها...؟!

ثالثاً: معلوم ان اصل الاحزاب السياسية ونشأتها انما يرتبط بانتشار الديمقراطية حيث تفترض الديمقراطية درجة من مساهمة المواطنين كما تعتمد على اختياراتهم وان تطور الاحزاب هو انعكاس للديمقراطية.
والاحزاب تقوم بدور هام في اعداد المواطن والمساهمة في تربيته وتثقيفه وتوعيته سياسياً؛ ويقوم الحزب بدور هام وحيوي كذلك بتزويد الجماهير بالمعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصحية والدقيقة لتقوية الروابط بين المواطنين وحقوقهم والمصالح العامة للدفاع عنها وبلورة مشاكلهم ووضع الحلول لها والتضحية من اجلها؛ ويتأسس على ذلك وينتج عنه وضع الحكومة دائماً في دائرة الرقابة والمحاسبة والمسؤولية.....
v فإذا كان ذلك كذلك فإن وضع الحكومة في مشروعها كل تلك القيود والاشتراطات والعقوبات والتشديدات على الاحزاب تكويناتها وتشكيلاتها ومقارها وترخيصها وحتى تبويب هيئاتها وقياداتها واجتماعاتها انما يتناقض كذلك مع المفاهم والمباديء الديمقراطية لسيادة الشعب وحكم الاغلبية والمساواة السياسية حيث الاحزاب تكون همزة الوصل بين الحاكمين والمحكومين وبالتالي فهي وعبر برامجها توفر قناة للتعبير الفعال عن الرأي العام وتقطع الطريق على التسلط والاستبداد الرسمي؛ مما يتوجب معه ليس فقط ازالة كافة العراقيل ونصوص الزجر والتهديد والوعيد وانما بتشجيعها وتسهيل نشاطاتها واستقطاباتها لاداء دورها الديمقراطي.

رابعاً: وانطلاقاً مما تقدم فإن من التساؤلات ومما يؤخذ على مشروع القانون كذلك هو كل تلك التفاصيل والقيود التي جاءت على ذكرها المادة الخامسة بفقراتها وبنودها المتعددة وخاصة من حيث عدد اعضاء الحزب ونسب توزيعهم على المحافظات او فئات الشعب او اجناسه ذكوراً او اناثاً وتحديد اعمارهم واماكن اقاماتهم مع ان الاحزاب ليست دوائر رسمية ومن ينتسبون اليها او يرغبون او يدعون للانتساب اليها ليسوا طلاباً لوظائف وعلى سبيل المثال وليس الحصر ... لا يرى احد مبرراً لاشتراط سن 18 او 21 او غير ذلك شرطاً للانتساب او السعي لتأليف الاحزاب او حرمان فئات معينة من المواطنين من تلك الحقوق ما دام ان غاية الاحزاب هو التربية والتثقيف الوطني والتعبئة لبلورة المصالح الوطنية والسياسية للاستقطاب الجماهيري حولها.

v وان مشروع القانون لم يتعامل مع تلك الحقائق ومع طبيعة التطور ومقتضياتها وانما هو استمرار ممسوخ لقوانين الاحزاب التي وضعتها حكومات سابقه لغايات اللجم والقمع حيث لم تدرك جميعها ان الاحزاب هيئات اساسية هامة اولاً في العملية التعليمية والتثقيفية، وان المواطنين في (بلد حر) لا بد من ارشاردهم وتثقيفهم بالممارسات الديمقراطية واحاطتهم علماً بالموضوعات السائدة في ايامهم، لا لمجرد ان يصبحوا ناخبين اكثر مهارة وانما ايضاً للمشاركة في مستقبلهم ومستقبل ابنائهم ومصالح وطنهم لكي يعيشوا حياة اكثر ارضاء اضافة الى ان الاحزاب هي بمثابة حواجز تخفف الصدمات والاحتقانات وتعزز التربية على الضبط والتكييف مع المصالح العامة والوطنية.

خامساً: ولقد كان يؤخذ على القوانين السابقة اخضاع الاحزاب وجوداً وعدماً وممارسة الى سلطة وزارة الداخلية وتحديداً الى سلطة وزير الداخلية وهي سلطة في معظمها سلطة امنية فيما كانت مطالب الاحزاب آنذاك الانتقال بالعلاقة الى التعامل العادي المدني مع وزارة التنمية السياسية.

v وجاء مشروع القانون الاخير لا ليتجاوب مع تلك المطالب وانما ليضيف في مادته الثامنة مزيداً من التعقيدات ويجعل الامر منوطاً بلجنة متعددة الاشخاص غير المتفرغين وليسوا ربما ذوي اهتمام بالموضوع لمثل هذه المهمة يرأسهم وزير الداخلية صاحب السلطة الامنية ذاتها او من يفوضه ويكون من بينهم من هو مرتبط اصلاً بوزير الداخلية مثل (امين سر اللجنة) ولا يخفى ان التعامل مع مسؤول واحد يبقى اسهل واقل تعقيداً من التعامل مع مجموعات من الاشخاص محورهم وزير الداخلية [ وبرأينا ان هذه المسألة لاهميتها كان يجب ان تبحث ابتداءً مع ممثلي الاحزاب صاحبة الشان لتحديد المرجعيه التي يجب ان تتصف بالاستقلالية والنزاهة والشفافية لاتصالها بالجانب الديمقراطي والتمثيلي الشعبي بمواجهة السلطة التنفيذية التي تتنافى مصالحها مع المصالح الجماهيرية ].

سادساً: ويعود مشروع القانون كذلك ليدرج ويجرم في مواد عديدة وكثير من الفقرات والبنود التي اخذت حيزاً واسعاً منه الكثير من الافعال والنشاطات والنص على تشديد العقوبات الامر الذي يعطي الانطباع الفعلي باننا امام قانون للعقوبات والاجراءات العرفية ولسنا امام قانون للاحزاب السياسية، الامر الذي يعيد للذاكرة الشعبية او يعمق مشاعر الخوف لدى المواطنين من تكرار القمع يوماً ما بسبب الانتماء للاحزاب وهو الخوف ذاته الذي استطاعت الحكومات والاجهزة فيما مضى ترسيخه في اعماق غالبية المواطنين الاردنيين حتى اليوم ودفع بهم الى ان يلوذوا بالصمت او السلبية تجاه مختلف التطورات والاحداث وبالتالي استقواء السلطات واستعصائها على وسائل الرقابة والمحاسبة وأوصل البلاد الى الحال المؤلم الراهن.

 

( المقال خاص بالمدينة نيوز )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات