مندريس التركي والقوتلي السوري

- ما بين ما تشهده العلاقات السورية- التركية الحالية, وبين ما شهدته قبل نصف قرن تقريبا مفارقة سياسية لاولي الالباب, ولم تكن سورية في خمسينيات القرن العشرين تحت حكم حزب البعث, ولا تحت حكم (فريق علوي) بل كان الحكم فيها ناتجا عن انتخابات رئاسية وبرلمانية حقيقية وكان على رأسه شخصية برجوازية وطنية سنية من اهل الشام, واليكم هذه المفارقة:-
1- في عام 1955 فاز شكري القوتلي (الشامي السني) بانتخابات رئاسة الجمهورية الى جانب انتخابات برلمانية تقدم فيها البعث والشيوعيون والوطنيون من جماعة الكتلة الوطنية (وريثة حزب الاستقلال) وحزب الشعب (برجوازية وطنية من حلب) فيما خسر الاخوان المسلمون معظم المقاعد التي ترشحوا عنها خاصة مقابل البعث والشيوعيين.
2- رغم ان القوتلي ينتسب الى البرجوازية الوطنية الى انه وضع سورية على طريق التحرر الوطني والقومي, وقام بكسر احتكار السلاح (الامريكي - الفرنسي) واتجه نحو روسيا بعد اشتراط الامريكان والفرنسيين والانجليز توقيعه صلحا مع دولة العصابات اليهودية, كما قادت دمشق معركة إسقاط حلف بغداد الاستعماري الذي سقط اول ما سقط على يد الجماهير الاردنية والفلسطينية, والاهم من ذلك قاد القوتلي مشروع الوحدة مع مصر جمال عبدالناصر وجعل من سورية قاعدة لدعم المقاومة ضد العدوان الثلاثي على مصر.
3- ردا على هذه السياسات تعرض القوتلي لحملة سياسية واعلامية من قبل الجماعات اياها ومنها جماعات اسلامية معروفة اضافة للامريكان والفرنسيين والانجليز, وقامت اذاعة مجاورة بالسخرية من القوتلي الذي يدعم المقاومة في السويس ويمدد اتفاقية الهدنة على الجبهة السورية.
4- في ضوء مواقف القوتلي وهزيمة العدوان الثلاثي (يذكر بهزيمة عدوان اسرائيل على حزب الله 2006) وفي ضوء اتساع المد القومي والوطني واليساري, وبعد فشل نوري السعيد عميل المخابرات البريطانية في العراق في التصدي للقوتلي وجمال عبدالناصر, شهدت تركيا تحولات مفاجئة, تذكرنا بما تشهده من سنوات على يد اردوغان.
5- كان (الاسلاميون الامريكيون) في تركيا ينشطون من خلال حزب الشعب الحاكم (للتذكير بدأ اردوغان وغول وغيرهما نشاطهم السياسي من خلال احزاب اليمين التركي قبل ان يؤسسوا في ظروف مشبوهة احزابا مستقلة).
فقرروا انذاك بزعامة عدنان مندريس ان يعملوا بصورة مستقلة واسسوا (الحزب الديمقراطي) ولم تكن سورية القوتلي ومصر عبدالناصر بعيدتين عن هذه الاستهدافات.
6- وحيث احتفى اسلاميون عرب بتلك التحولات لان مندريس اعاد الاذان الى الجوامع (كان ممنوعا ضمن السياسات العنصرية لجماعات اتاتورك) فقد تجاهل هؤلاء الاسلاميون ان مندريس ضم تركيا الى حلف الاطلسي وانشأ اكبر قاعدة امريكية فيها.
(يذكرنا بدور اردوغان بادخال الدرع الصاروخي الامريكي الى تركيا) وفتح مندريس حملة اعلامية وسياسية على القوتلي (غير اليساري وغير العلوي) وحشد القوات التركية على الحدود السورية واحتلت هذه القوات مناطق سورية في ادلب وجسر الشغور ودعم انشقاقات عسكرية سورية صغيرة ايضا, وانقسم العالم بين معسكرين الاول بقيادة روسيا والثاني بقيادة امريكا كما شهد تحولا مفاجئا في الموقف السعودي الى جانب تركيا وكان من قبل يفضل التحالف مع دمشق ضد بغداد.
7- ما حدث بعد ذلك, اصرار القوتلي على سياساته واتحاد سورية مع مصر بزعامة عبدالناصر, وانفجار تركيا في ازمة عاصفة ادت الى انقلاب عسكري, اعتقل مندريس ونفذ فيه حكم الاعدام شنقا.
(العرب اليوم )