من يشرح لنا أكثر..؟

أتفهم الحراك الذي يملأ البلاد ويشد العباد ولكنني ما زلت لا أفهم بعض جوانبه..ففيه من التناقضات ما يجعل الفهم عصياً والتفسير صعباً..
واذا كان الحراك يريد الاصلاح فهل من الاصلاح ترك الطلاب في الشوارع والساحات وتعطيل الدراسة واغلاق الطرق؟..قد تكون هذه وسيلة للضغط على الحكومة لقضايا مطلبية ولكنه ضغط يطال المجتمع كله ويلحق أضراراً جسيمة تفوق ما ينتفع منه المعلمون..وهنا لا بد من صيغة تأخذ بمفهوم «درء المفاسد وجلب المنافع» أو صيغة «لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم»..
أين حدود المطلبية وشرعيتها من التجاوز على العام وعدم تقدير ضرورات الدولة؟ واذا كانت المطلبية مشروعة فإن تلبيتها هي ما يحتاج الى حوار ونقاش وتقدير لمفهوم المصلحة العامة..
لا يجوز أن نأخذ القطاعات التي هي أعلى صوتاً أو أكثر ضغطاً ما تشاء أو تجبر في حين لا تأخذ أطرافاً أخرى الا اذا تحركت واضربت واعتصمت وهذا ما يشجع الاضرابات ويزيدها حين يصبح اسلوب الابتزاز والاستقواء هو الانجح..وهو يصبح «محمد يرث ومحمد لا يرث»..
في سياق الحراك المطلبي لا يجوز تكسير كل الزجاج بمعنى لا يجوز تصوير المؤسسات والشركات التي يتوجه اليها المطالبون وكأنها فاسدة ويستعمل فيها أسلوب «الزحف» عليها الذي مارسه الليبيون في زمن العقيد القذافي فكان ان انتهت المؤسسات واستبدلت باللجان الشعبية التي دمرت كل شيء..
بلدنا ليس فاسداً ولذا لا يجوز محاكمة عهد كامل والنيل من كل انجاز فما يمارسه البعض ليس اصلاحاً وانما اقتلاعاً وتبديداً وكرة ثلج تكبر وتأخذ في طريقها كل شيء وبالتالي يصبح الواقع كالنار التي تاكل بعضها ان لم تجد ما تأكله..
لماذا هذا الجلد الرهيب والاتهامية العشوائية الطائشة لكل شيء فإذا كان كل شيء فاسداً فإن السؤال من أين اذن جاءت كل هذه الانجازات وكيف حققنا ما حققنا؟..
لا أدعو الى إغماض العيون عن الفساد أو التجاوز عنه أو عدم المحاسبة عليه..ولكن أدعو الى الحذر من أن يصبح صوت الفاسدين هو الأعلى..حين نستعمل اشاعاتهم وأساليبهم لمحاربة الفساد وضرب الحابل بالنابل وتعويم كل شيء..
لا يجوز لغير القضاء أن يحكم أن الشخص الفلاني فاسد أو سارق أو مرتشِ أو مهمل بالوظيفة العامة حتى نحافظ على مؤسساتنا وشركاتنا من الهدم واغتيال السمعة والشخصية والا أكلنا بعضنا البعض وحولنا حلبة الاعلام الى مقصلة وساحة اعدام ومحاكم ووسيلة يوجهها من يشاء لخدمة اغراضه..
حين تعمل المؤسسات وعلى راسها القضاء بانتظام وعلمية واحتكام للقانون فإن الاتهامية الشعبية أو المجانية يجب أن تتوقف فوراً وان يحاسب من ينتحل شخصية القاضي او المحكمة وأن لا يصفق له أو يوصف بالشجاعة..وأضرب مثلاً من اسرائيل التي جرّم فيها رئيس الدولة كتساف بالتحرش الجنسي والاغتصاب وسجن لسبع سنوات فقد عمل القضاء والشرطة وكتبت الصحف ليوم او أكثر واحتوى القضاء المشكلة لتستمر العدالة ولم نجد الشوارع تتدفق بمظاهرات ولم نجد عرائض او اعتصامات أو ردود فعل جهوية او مطالبة الحكومة بالعفو عنه أو اعدامه أو تغليظ السجن عليه..فمتى نصل الى ذلك؟
لو كان القضاء فاعلاً وسريعاً لما نصب أحد نفسه مكانه...ولو كان البرلمان فاعلاً وممثلاً وقادراً على المسائلة وطرح الثقة أو نزعها لما كان الناس في الشوارع ولكانت رسائلهم تحت القبة..
ما يجري يجب اعادة فهمه وتحليله..فهناك أجندات سياسية لقوى تعمل لكن لا بد لهذه الاجنده من كشف وفهم وتحليل حتى لا يكون ما لها حلال وما لغيرها حرام حين تخشى الحكومة من أن تقدم حجتها ووثائقها وتفضح ما هو مخفي..فلماذا لا يقال مثلاً إن التصعيد في اضراب المعلمين وراءه الان انتخابات النقابة وتدافع لقوى سياسية وأن هناك من يريد أن يقطف الثمرة الناجزة كما حدث في مصر وغيرها..
لا يجوز ان يقوم التكاسر ولي الارادات على حساب الاغلبية الصامتة ومن الشعب وعلى حساب الطلاب وتعطيل التعليم اليوم والصحة غداً ومرافق أخرى لا نعلمها..
في العالم حركات احتجاج لكن كيف ومتى وما الحجم؟ وما هي المطالب وهل هناك في حراكهم ما هو مع الحراك وضده في نفس الوقت وفي نفس المسيرة الواحدة مع الاصلاح وضده هذا ما لا أفهمه حتى الآن؟
(الراي)