الــوجــدان
روي أن معاوية أول خلفاء بني أمية خطب قومه فقال: "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننّزله إلا بقدر معلوم فعلام تلومونني إذا قصرت في عطاياكم؟ فقاطعه الأحنف بن قيس عن الكلام بقوله" والهم لا نلومك على ما في خزائن الله ولكن على ما أنزل الله لنا من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه"
وروي أن الخليفة عمر بن الخطاب خطب فقال: من رأى منكم فيّ اعوجاجًا فليقومه فابتدهه أحد الأعراب فقال له: "والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحدود سيوفنا" وذكر الرواة الثقاة، أن معاوية عهد إلى يزيد ابنه بولاية فعاث فيها فساداً فقال عقبة الأزدي يخاطب معاوية أبياتاً من الشعر
أكلتم أرضنا فجردّتموها فهل من قائم أو من حصيد
أتطمع بالخلود إذا أهلكنا وليس لنا ولا لك من خلود
فهبنا أمة هلكت ضياعاً يـزيد أميرها وأبو يـزيد
فدعا به وقال "ما جرأك عليّ "قال نصحتك إذ غشوك وصَدَقْتك إذ كذبوك. هذا هو الوجدان الصحيح الذي يجب أن يكون في كل مواطن كبيراً كان أم غير ذلك. فالوجدان سجية رقيقة للروح تميز بها الطيب من الخبيث والحق من الباطل والخير من الشر والواجب من الخيانة الوجدان وزير ، بشير، نذير، قاض، شرطي فيحاكم أعمال المرء وينقذ ما يبدر من الناس فلا تلفته في حُكمه هوادة ولا تأخذه محاباة يقول الحق ولو كان مراً فلا عدل بين القضاة كعدله ولا سلطان في الكون فوق سلطانه لا يبسط يد الرشوة والغش وأكل أموال الناس بالباطل. فالوجدان الصحيح غاية علم الأخلاق فهو جماع الأدب كما قال الإمام علي كرم الله وجهه " غاية الأدب أن يستحي الإنسان من نفسه "إن الوجدان إن كُمِل في أفراد الأمة حفز كل امرئ إلى حفظ حقوقه ودفعه إلى القيام بواجبه فيعرف كل إنسان حده ويقف عنده وينقضي عهد الفوضى والجور ويسود سلطان العدالة بين الناس، إنه لا طمأنينة لحكومة ولا راحة لأمة إن لم تشتد سلطان الوجدان في أفرادها فإن الحكومات مهما قوى بأسها وعظم بطشها ومهما تذرعت بالوسائل درأً للشر وحفظاً للأمن بين رعاياها لا تغني فتيلاً ولا نقيراً إن لم يشتد أزر الوجدان في الحكومة والناس، قال أبو نواس:
لا تنتهي الأنفس عن غيها ما لم يكن منها لها زاجر
إن الوجدان إن أصلح في الأمة كبيرها وصغيرها باتت لم تعوزها حكومة لأن غاية وهدف الحكومة المحافظة على الراحة، والوجدان أعظم باعث لصيانتها.
لقد بعنا الضمير بدراهم معدودات وفعلنا الأفاعيل وركبنا الأباطيل وأخطأنا الواجب وخّنا الدين والأمانة وسعينا وراء مرضاة الناس رئاءً فلا وجدان يمنع ولا ضمير يصدع.
أيها العقلاء اكشفوا عن مدخولاتكم ولا تطبقوا قلوبكم على ما تكرهون فقد آن أن نجهر بالقول ولا نخفي ما يكّنه صدرنا ونصدع بالحق ولا نبالي بما يؤول إليه أمرنا ونناصب كل ما يخالف وجداننا ولو كان في ذلك استئصال شأفتنا وما زال الصغار يلقون التبعية على العقلاء ما زالت الأمة على متربة ومسكنة لا يقوم لها عهود ولا يخضّر لها عود.
يقول الشاعر:
إذا ما الحكم سام الناس خسفا أبينا أنَ نُقّر الذل فينا
فعلى من يريدون خيراً لأمتهم أن يصطفوا منهم لها ذوي عقل حصيف وحزم صارم لا أناة معه وعزم صادق وإقدام صحيح ووجدان حرّ لا شية فيه. صارحوا بما ترونه باطلاً في أعمال الفساد ولا تحاذروا لومة لائمين، وتحركوا للحق وتفانوا بأنفسكم صيانة لحياة الأمة ولمصلحة الوطن وحفاظاً لشرفها.
أ.د. رسلان أحمد بني ياسين
عميد كلية الآداب والفنون/ جامعة إربد الأهلية