المسخ الطيب والمسخ الشرير

- يحفل عالم الادب والفن بعشرات الامثلة للاعماق البشرية وما تعكسه من صراع بين الخير والشر, وما تكشفه من محطات مختلفة في تاريخ هذه الجماعة او تلك, وما تكثفه وتلخصه من وقائع وصفحات سوداء او بيضاء, حسب كل حالة...
واضافة للحالات الطبيعية في الجانبين, الخير والشر, ثمة حالات اخرى شائعة في الجانبين ايضا, لم تعد استثنائية كما كانت سابقا مما يؤشر على ان الحقبة الرأسمالية برمتها بقدر ما تعكس صورتها البشعة, تولد صورة مضادة لها وتطيح بعلم الجمال برمته بوصفه علما متوازنا من النمط الايقاعي الذي يحن له البشر.
ولم يقدم او يختصر احد بشاعة الرأسمالية الامريكية كما فعل الامريكيون انفسهم مثل المخرج السينمائي سكورسيزي والمخرج كوبولا.. والفنانان ريفيرا وشارلي شابلن.. سكورسيزي في افلامه عن نيويورك وواشنطن وكيف شكلتها مافيات الجريمة والمخدرات والويسكي بالدم والبلطات والمسدسات.. وكوبولا باعماله (العراب والدم الاول.. الخ).
اما في الفن فقد اختار الفنان التشكيلي ريفيرا ديترويت لتكون موضوعا لاعماله ولوحاته التي تصور الاستغلال الرأسمالي البشع للعمال الذين قامت صناعة امريكا على اكتافهم.. ومثله شارلي شابلن في فيلم اضواء المدينة وغيره..
بالمقابل قدم لنا الادب العالمي والعربي صورة اخرى للجوانب المشوهة في الانسان, لكن ليس في اعماقها كما هي حال التجربة الامريكية الرأسمالية, بل في مظهرها الذي انطوى في اعماقه على انفس جميلة وطيبة.. ومن ذلك احدب نوتردام للفرنسي فكتور هيغو صاحب البؤساء وبائعة الخبز, والذي كان ايضا مقاتلا مع العمال على متاريس باريس وفقد ولديه خلال الصراع مع البرجوازية..
ويبدو ان الروائي السوداني الطيب صالح قد تأثر برواية احدب نوتردام وقدم لنا شخصية مشابهة في روايته (عرس الزين) وعلاقته مع (نعمه) التي تشبه الغجرية في رواية هيغو..
واذا عرفنا ان هذا الروائي الفرنسي كان (شرقيا) في روحه, فما يمكن ان نستنتجه في الحالتين ان الرأسمالية التي شوهت البشر واعلنت نهاية الانسان ونهاية الذائقة الجمالية كانت عادلة في مسألة واحدة وحاسمة ايضا هي ان روح الشرق ما تزال خضراء من لحم الانسان ودمه فيما تخفي القشرة الزائفة في الشمال الرأسمالي وحشا قبيحا داخلها.
(العرب اليوم )