القاعدة في سوريا

تم نشره الثلاثاء 21st شباط / فبراير 2012 12:23 صباحاً
القاعدة في سوريا
عريب الرنتاوي

- تميل أطراف في المعارضة السورية، وبصورة أكبر بعض السياسيين اللبنانيين المناهضين لنظام دمشق، لنفي أي وجود للقاعدة و"السلفية الجهادية" في سوريا...بل وتنظر هذه الأطراف بعين التشكيك والاتهام لكل من يتحدث عن أمر كهذا، ويصل الأمر حد اتهامه بالضلوع مع النظام و"شبيحته" في استهداف الشعب السوري والنيل من انتفاضته الشجاعة، لكأننا أمام "حالة إنكار" يُراد تعميمها بطرق أقل ما يمكن أن يقال في وصفها أنها "ابتزازية" وتنتمي لثقافة "التحريم" و"الحجر" على البصر والبصيرة.

حتى بعد أن دخل أيمن الظواهري على خطوط الأزمة برسالته المتلفزة المفتوحة إلى "المجاهدين"، قيل أن الأمر تم بالتنسيق مع جهات سورية أمنية (وأحياناً إيرانية)، بهدف التشويش على ثورة الشعب السوري، وتدعيم "الرواية الرسمية" السورية عن "العصابات المسلحة" وإنكار ثورة الشعب وقواه الحية والمناضلة.

وحتى حين كشفت الإدارة الأمريكية في تصريحات متعاقبة لمسؤولين أمنيين وعسكريين كبار فيها، عن وجود للقاعدة، أو بالأحرى "اختراق" للقاعدة لبعض تيارات المعارضة السورية، طلع علينا من يقول لنا بأن واشنطن "تبنت" وأحياناً "غطت" الرواية السورية الرسمية، وأنها إنما تفعل ذلك تبريراً لتقاعسها عن مساندة الشعب السوري، أو تفضيلاً لبقاء النظام الأسدي جاثماً على صدور البلاد والعباد.

كل حديث في هذا الأمر يحيلك إلى "نظرية المؤامرة"...لا شيء مقنع لأحد من هؤلاء، لا شيء خارج نظرية المؤامرة، لا شيء كفيل بتبديد "حالة الإنكار" المُشار إليها.

تضرب القاعدة في دمشق وحلب، وتصيب عصب النظام الأمني السوري في مقتل...سيارات مفخخة و"عمليات استشهادية"، ومع ذلك يطلع عليك من يقول أنها لعبة مخابراتية سورية، هدفها "حرف الأنظار" و"تدعيم الرواية" إلى غير ما هنالك.

مع أن المتتبعين لمواقع القاعدة السلفية الجهادية، يلحظ من دون عناء، أن "القوم" متورطون من الرأس حتى أخمص القدمين في تفاصيل مجريات الأزمة السورية، وبالذات في بعدها العسكري والأمني...الحكومة العراقية تتحدث عن تسلل أكثر من 400 من "مجاهدي القاعدة في العراق" إلى سوريا، وربما عبر نفس الطرق التي سلكوها في طريقهم من "بلاد الشام" إلى "بلاد الرافدين".

النظام الذي لعب بورقة القاعدة و"السلفية الجهادية" في مواجهة الأمريكان في العراق، ووفر لهؤلاء الطرق والإمداد اللوجستي و"الأعين المغمضة" وغيرها من وسائل الدعم "المخابراتي" المعروفة، النظام نفسه الذي قدم لهؤلاء أرياف دمشق وحلب ودير الزور وغيرها، كمعاقل ومحطات "ترانزيت" في حلهم وترحالهم، في حشدهم ورباطهم، ضد الاحتلال الأمريكي و"عملائه" في العراق، النظام نفسه، يحصد اليوم ما زرعه بالأمس، بل ويشرب من الكأس ذاتها، وبمرارة شديدة كطعم العلقم.

أمس، قرأت تقريراً في جريدة الحياة اللندنية، للزميل تامر الصمادي، وفيه استعراض لمواقف السلفية الجهادية الأردنية مما يجري في الأردن...التقرير أشار إلى "إجماع السلفيين الجهاديين" في الأردن على وجوب "الجهاد" ضد النظام "النصيري"، أما خلافهم فيقع ما بين قائل بضرورة الجهاد بالمال والرجال والسلاح، وقائل بضرورة الاكتفاء بإرسال المال والسلاح و"الخبراء"، ولقد تحدث بعضهم عن معتقلين لهم وهم في طريقهم إلى سوريا، وبما يتقاطع مع تقارير أخرى متفرقة، نشرت في مواقع وصحف ونشرات عديدة أخرى.

 

ومقابل الحديث الذي ما زال مقتضباً عن دور القاعدة والسلفية الجهادية في سوريا، ثمة أحاديث مسهبة عن "دور ما" للسلفية الليبية المقاتلة و"لواء طرابلس" وعبد الكريم بالحاج، في هذه المسألة، وهي أحاديث تختلط فيها الحقائق بالمبالغات والأجندات، ما خفي منها وما ظهر، لكنها جميعها تصبح "تحديات وازنة" عندما نقرأ القرار العربي الذي تحدث عن "دعم سياسي ومادي" للمعارضة، يلامس ضفاف تسليحها، وهو حديث سبقته الأفعال على الأرض، ومن أكثر من منفذ حدودي مع سوريا.

كل هذا على ما يبدو، ليس مقنعاً للذين ما زالوا يعيشون "حالة الإنكار"، ويسخرون من أي حديث عن "الظاهرة العرعورية" في حمص وأكنافها...ولا أدري ما البراهين التي ينتظرها هؤلاء للتنبه إلى جدية هذه الظاهرة، والإقرار بوجودها، هل ننتظر شلالات دم طائفية و"عمليات ذبح على الهوية" على أوسع نطاق، حتى نصدق ما نسمع بآذاننا ونراه رأي العين بحدقات عيوننا.

ينصرف الحديث في هذه المسألة دوماً إلى "ألاعيب النظام ومناوراته المخابراتية"، والنظام ليس بريئا من تهم مماثلة، وهو خبير باللعب على هذه الحركات وغيرها، وله باع طويل وسجل تاريخي في هذا الميدان...آخر القراءات "المؤامراتية" لظاهرة تمدد القاعدة في سوريا، تقول بأن النظام يسعى في "استعادة" النموذج اليمني، وأنه يقتدي بالرئيس المحروق علي عبد الله صالح، الذي نجح البعض في إقناع بعض الغرب، بـ"خطر القاعدة"، وابتز العالم شرقاً وغرباً، ومعهم بعض عرب الجوار، بهذه "الفزّاعة"، وهذه فرضية يمكن مناقشتها، لكنها على وجاهتها، ما زالت بحاجة للبرهنة على جدواها، هل أجدت في اليمن لتجدي في سوريا، لقد استطاع الرئيس اليمني أن يكذب على بعض الغرب والعرب، بعض الوقت، لكنه لم يستطع أن يكذب على كل الغرب والعرب، طول الوقت، بدلالة النهايات البائسة التي انتهى إليها، والتي لن تقف حد هروبه بحجة العلاج، وتحصنه بقرار مجلس نيابي محتضر.

القاعدة والسلفية الجهادية، من حقائق المشهد السوري اليوم، قد تختلف التقديرات بشأن حجمها وتأثيرها، ولكن ذلك لا ينفي وجودها المتعاظم، وإذا قُدّر لسوريا – لا سمح الله – أن تنزلق في أتون مواجهات شاملة وحرب أهلية، فإن ما يبدو عصياً على التصديق، سيصبح ظاهرة تفقأ الأعين في الغد، ألم تبدأ القصة في العراق، من "حالة إنكار" مشابهة؟..ألم يستنجد الرئيس العراقي الراحل بالسلفية بكل مدارسها في سنوات حكمه الأخيرة لمعادلة نفوذ "الإسلام الشيعي"، خصوصا بعد انتفاضة المحافظات الجنوبية في العام 1991؟...ألم تصبح القاعدة وأخواتها، لاعباً رئيسا في العراق في سنوات الحرب الأهلية بخاصة، ولمّا تزل بالمناسبة؟.

أسئلة وتساؤلات، بحاجة لأجوبة عقلانية، ولا يمكن التعامل معها، لا بلغة الإنكار والابتزاز والاتهام، ولا بالحسابات الضيقة التي تتوهم أن الإنكار هو طريقها السريع لاستعجال التغيير...لا أحد سيشتري هذه البضاعة، حتى أقرب حلفاء المعارضة في الغرب والولايات المتحدة.

أما بعض حلفاء المعارضة من العرب، فهم جزء من المشكلة (لا الحل) في هذا المضمار، هؤلاء ينظرون للقاعدة وأخواتها، كأدوات لسياستهم الخارجية...ألا تذكرون سيمور هيرتش وتحقيقه ذائع الصيت عن "إعادة التوجيه" والمقصود به إعادة توجيه هذه الحركات، بدعم خليجي أساساً، لمقاومة نفوذ إيران ومحورها وهلالها...لماذا ما صح بالأمس، ليس صحيحاً اليوم، وبالذات بعد توفر كل هذا الكم الوافر من المعلومات والمعطيات والحوافز والأجندات واللاعبين والمصالح؟.
 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات