طوقان..كلام بفلوس

- الرجل مُقل في الحديث أصلاً ويصبح أكثر محافظة كونه وزيراً للمالية وقد اكتسب من قبل صفة «محافظ» ولذا فإنه حين يتكلم يكون قد فاض به الكيل او بلغ السيل عنده الزُبى كما يقولون..
يخرج وزير المالية أمية طوقان من الصحافة ليتكلم وهو يشعل ضوءاً أحمر ونسمعه يقرع الجرس مستعملاً كلمة «خطير» في وصف الوضع الاقتصادي بل انه يزيد ويحذر من كارثة مالية ويستعمل «إذاً» الشرطية للخلاص من الكارثة التي تستوجب خطوات وإجراءات تصحيحية..هنا مربط الفرس وبيت القصيد..فما هي هذه الاجراءات؟ هل هي الحمية التي يستعملها المصاب بالسكري أم الضغط الذي يستوجب تناول أقراصه بانتظام وان تعطيل المعالجة سيؤدي الى ما يعرفه الكثيرون..
الوزير طوقان قدم النموذج اليوناني كنتيجة لعدم معالجة أوضاعنا حيث جرى التدخل الدولي في اليونان وجرى اجتياح سيادتها ليضع الاخرون لها وصفة العيش والسلوك وحتى التفكير ..فماذا نحن فاعلون .هل نبدأ بأنفسنا لندخل الى العلاج ونقر بأننا نعاني من اصابة أم نترك أوضاعنا ليتدخل غيرنا؟..هذا سؤال صعب ربما يحتاج الى استفتاء سريع وطني عام اذا ما ابقينا آذاننا لا تسمع أو فقدنا الثقة بمتخذ القرار..
لا ينفع الآن الندم ولا حتى الرغبة الجامحة في محاسبة من يغرق..فالأصل إنقاذ الغريق ثم محاسبته..والخشية أن لا نلتقط اللحظة ونواصل الجدل والرطانة في البحث عن المسبب دون ان نأخذ بالأسباب لنوقف التداعيات..فما العمل؟
والسؤال لوزير المالية الذي لا يحسد على ما هو عليه أو فيه ..ما هي الخطة الحكومية الانقاذية التي تريدها بعد إذا الشرطية وما هي بنودها وهل نطمح أن نراها في جدول واضح مدروس بدقة ومقدمة للبرلمان أو الرأي العام للاستفتاء عليها وكيف يمكن فك معادلة «اعادة الثقة» التي تربط الطرفين الشعب والحكومة..هل ننجح في اعادة الثقة في هذا المجال حين تكون الثقة الان سلعة نادرة ومكلفة وايهما يسبق الآخر «اعادة الثقة» ام الشرط الاخر الذي قاله الوزير وهو «وقف الانفلات في الانفاق العام» وهذا شرط أصبح صعباً تحقيقه ويحتاج الى جراحة والى قرار صعب وشجاعة ملموسة..والسؤال أين ضغط الانفاق مما يجري في الرد على المطلبيات المتزايدة المقترنة بالاضرابات والاعتصامات التي تثير ذعر الكثير من المسؤولين فيفتحون باب الانفاق تحت شعار «اصرف ما في الجيب» او «اطعمني اليوم وجوعني بكرة»..
كلام وزير المالية لا شك يقوم من معطيات ومصادر تختلف عن كلام مسؤولين آخرين ينظرون للامور من زوايا مختلفة وهو يختلف عن كلام النواب وعن قادة الحراك وعن قيادات المضربين وعن وعن...فما هو الحل؟.وكيف يمكن كسر الحلقة المفرغة والخروج بقرارات وطنية موحدة المرجعية ..متى يتوقف المسؤول عن قول «يجب» أو عن الشكوى للانتقال الى العمل..اليس المسؤول هو من جاء ليفعل لا ليشكو وينتظر واذا كان الوزير الذي «بق البحصة» اخيراً بتحذيره يرى أن الخطة التي بين يديه وهي خطوة طوارىء سريعة تقوم على اعادة توجيه الدعم لمستحقيه بتخفيض قيمة الدعم في الموازنة العامة مشخصاً أن الاغنياء (دون أن نعرف من هم الأغنياء، ما هي شرائحهم ومن أين يبدأون واين ينتهون) هم من يستحوذون على الجزء الأكبر من الدعم الحكومي فلماذا لا تفعلها الحكومة؟..هل تستطيع؟ هل هي قادرة على ابعاد ضغط القوى التي تريد بقاء الوضع على ما هو عليه من تردي أوضاع الفقراء..وهل يمكن لجراح بارع أن ينجز هذه العملية دون اعراض جانبية قد تودي بالمريض وتفاقم حالته؟ هذا هو السؤال.. وهل سيكون ما يتوفر من وقف الدعم عن القادرين متوجها للمحتاجين لحمايتهم سواء كانوا في اطراف الطبقة الوسطى أم في قعر الشرائح الاقتصادية..
اذا كانت الحكومة ممثلة بوزير المالية تستشعر الخطر حسب الروشيته التي كتبها الوزير فلماذا تأخر ذلك؟..ولماذا لم يقم حين كان التعويم في صالح المواطنين..
يبدو ان قائمة الوزير طويلة بعضها عرفناه وبعضها لم نزل نخمنه والخشية ان ترتفع الاسعار على الجميع وخاصة في الماء والكهرباء فيصاب الفقراء بمزيد من المعاناة قبل أن يشعر الأغنياء أن شيئاً قد أخذ منهم..
ادرك خطورة ما قاله وزير المالية وأطالب بإجراء تمرين أولي وشرح للخطة قبل أن نفاجأ باصدار قرارات بنفس الأسلوب القديم..
(الراي)