الاحتقان السياسي والتزوير

- في مقابلته مع جريدة الغد, يقول رئيس الوزراء أنّ سبب الاحتقان هو تزوير الانتخابات, ولذلك فهو يرى أنّ إزالة الاحتقان لدى جماهير الشعب الأردني تتمّ بإجراء انتخابات عادلة ونزيهة.
يذهب هذا المذهب عدد من السياسيين الأردنيين, الذين لهم باعٌ وذراع في التأثير في القرار السياسي وهم من علية القوم, ولكن في الحقيقة هذا الكلام يحتاج إلى بيان وحوار ووقفة, فمسألة تزوير الانتخابات تعد من الجرائم الكبيرة والخطيرة وهي أبشع الجرائم التي تقع بحق الوطن والمواطنين; لأنّها تمثل اعتداءً صارخاً على إرادة المجتمع, وانتهاكاً بالغ الأثر لمبدأ سيادة الشعب, وهي تستحق أقصى درجات العقوبة لأنّها بمثابة "الخيانة العظمى".
تزوير الانتخابات المتكرر والمتعمد عبر الدورات الانتخابية قلّل من حساسية الجماهير تجاه هذه التجربة المروعة, ولكن مع الزمن فقد الناس ثقتهم بالعملية الانتخابية, وأصبحوا يدركون أنّ العملية الديمقراطية هي عبارة عن مسرحية هزلية مكشوفة تمثل الضحك على ذقون الشعب الأردني, ممّا اضطر القوى السياسية الحيّة والفاعلة إلى مقاطعة الانتخابات من أجل تنبيه الشعب الأردني والحكومات والأطراف الرسمية المعنية, بأنّ الأمور تسير نحو الفوضى والانهيار والظلام, ولذلك لا بدّ من المسارعة بالإصلاح الوطني الشامل.
ولكن في الوقت نفسه لا يعني أنّ إجراء الانتخابات بنزاهة سوف يحلّ مشكلة الأردن السياسية, وسوف يزيل الاحتقان, وتصبح الأمور عال العال!!.
أعتقد أنّ هذا وهمٌ كبير تخالطه نظرة غير شاملة لمجمل الحالة السياسية; لأنّ تزوير الانتخابات ليس المشكلة بذاتها, وإنّما هو عرض المرض الحقيقي المستعصي المتمثل بمنهجية إدارة الدولة بشكلٍ شامل, والتي أصبحت تنتمي إلى عصور سابقة, عصور الظلام الإقطاعي القائم على مصادرة حق الشعوب في الاختيار وتغييبها عن كونها مصدر السلطة الحقيقي.
إنّ مجرد رفع التزوير لا يعني بأيّ حال وبأي منطق إحداث إصلاح, نحن يا قوم في مرحلة ما بعد الربيع العربي, وهذا يعني بكلّ تأكيد أن يعمل الأردنيون جميعاً على حجز مقعدهم في منظومة الدول الديمقراطية, وإذا لم يتمّ ذلك من خلال تمكين الشعب الأردني من تشكيل حكومتهم, وتحصين مجلس الأمّة من الحلّ, وأن يكون كلّه منتخباً, فيعني أنّنا ما زلنا نراوح في الربع الأول وأنّنا ننتمي إلى مرحلة ما قبل الربيع العربي, وأنّنا من دول المؤخرة وليس دول المقدمة على الصعيد الديمقراطي, وعلى صعيد الإصلاح السياسي الحقيقي الجذري.
(العرب اليوم )