عن «الغضبة المُضرية» ضد روسيا

- يبدو أن المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي والعاهل السعودي، لم تكن من النوع الذي يفضله زعماء الدول وقادتها عادة... رئيس دولة عظمى يعرض حواراً على ملك دولة عربية كبرى، فيجيب الأخير بأن وقت الحوار قد انتهى، وأنه كان الأجدر بروسيا أن تستشير “العرب” قبل أن تقطع بـ”الفيتو” قول كل خطيب ومُحاور.
السعودية غاضبة من الفيتو الذي أسقط مبادرتها المشتركة مع قطر، والتي حملت اسم “المبادرة العربية” لحل الأزمة السورية، وثمة أطراف عربية ودولية غاضبة لذات السبب، لكن أحداً منها، لم يفكر للحظة بقطع الحوار مع روسيا، عقاباً لها على “فعلتها” في مجلس الأمن... لا أدري ماذا أجاب الرئيس ميدفيدف محدثه في الرياض، ولكنني أتوقع أن يكون رد بالسؤال: وهل تشاور العرب مع روسيا، وهي دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، قبل أن يحملوا ملف مبادرتهم إلى نيويورك؟، علماً بأن روسيا، قبل العرب، كانت طرحت فكرة “المبادرة الخليجية لليمن” كبديل ملائم لمعالجة الأزمة السورية عوضاً عن “النموذج الليبي” الذي تمهد المبادرة الطريق له، فلماذا لم يتلقف العرب الموقف الروسي للبناء عليهم، لماذا لا ييممون وجوههم إلا شطر الغرب، وواشنطن بالتحديد؟!.
لقد ظن العرب أن روسيا تناور و”تتكتك”، وأنها ستحدث الاستدارة في مواقفها في ربع الساعة الأخير، وأن تشددها في الملف السوري، إنما يستهدف “قبض الثمن” في ملفات أخرى، لكن هذا “الظن” انطوى على كثير من “الإثم”، وثبت أنه ليس في محله، وأنه مبني على تجارب سابقة، يبدو أن روسيا قررت أن لا تعيد انتاجها، ولقد دفع التهميش والتجاهل بروسيا إلى اتخاذ ما لا تشتهيه وتعتاد عليه من مواقف في المحفل الدولي الأرفع، فمن المُلام إذن، فيما آلت إليه العلاقات العربية- الروسية، ومن المسؤول عن ضعف التنسيق والتشاور؟.
وحتى بفرض أن روسيا لم تتشاور مع العرب قبل الفيتو، هل من الحكمة إغلاق باب الحوار معها، إذا كان هدف المبادرة العربية توفير حل سياسي للأزمة السورية ووقف نزيف الدم السوري ... إن إغلاق باب الحوار مع روسيا، يعني أن قرار الحسم العسكري مع نظام الأسد قد اتخذ، وأن لا رجعة عنه، على الأقل في المدى المنظور، ليبقى السؤال العالق في الأذهان، كيف وبأية أدوات، سيتم هذا الحسم؟.
نقرأ عشرات المقالات والدراسات والتقارير، الغربية في مجملها، التي تتحدث عن عسكرة الثورة السورية، وعن صعود القاعدة في السعودية، وعن زحف سلفي ممتد من العراق إلى ليبيا مروراً بالطبطبائي، فهل قررت العرب، أن “السلفية الجهادية” المؤتلفة مع “الجيش السوري الحر” وبعض اطياف المعارضة، كفيلة بإسقاط النظام، والحسم عسكرياً معه، وكيف سيفعلون ذلك، وما هي نتائج رهان من هذا النوع، وأي مستقبل ينتظر سوريا، إن ترك أمر التغيير فيها لهذه القوى؟.... هذه أسئلة يثيرها إغلاق باب الحوار مع روسيا، ويثير أكثر منها، هذا الاندفاع الخليجي نحو الحسم في سوريا، وهل هو حب في الشعب السوري وكُرمى لربيعه وحريته، أم أننا أمام تسوية حسابات مع إيران، وتصفية ثارات قديمة، زادها تفاقماً خطاب “انصاف الرجال” الشهير؟.
مشكلة سوريا، أو مشكلتنا في سوريا، أن الصراع فيها تعدى حدوده الوطنية بين شعب أعزل ونظام دموي فاسد، فاستحال إلى صراع على سوريا، بين قوى إقليمية ودولية بمصالح واجندات متناحرة... سوريا تنهض نموذجاً لحرب بين قوى الثورة المضادة ذاتها، فالنظام ركن ركين في معسكر القوى المضادة للثورة، وبعض داعمي المعارضة السورية هم الركن الركين للثورة المضادة الأوسع في العالم العربي... جزء من مأزق سوريا، أن الثورة المضادة تصطرع وتقتتل مع بعضها البعض، على الأرض السورية، وعلى حساب الشعب السوري، ولقطع الطريق على حق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والكرامة.
(الدستور)