ذبابة زرقاء

- يقال عادة اثر الفراشة, الذي ينسب الى الشاعر الفلسطيني محمود درويش بينما هو ظاهرة طبيعية تؤشر على وحدة ما للكون, كان الشاعر جورج سيفريس اول من استعارها في الادب.. بيد اننا في هذا المقال سنتحدث عن اثر اخر يفتقد الى الايحاءات الرومانسية لكنه يؤشر على وحدة ما ايضا لمصير الغزاة المستعمرين مع ذكرى تحرير ام درمان من الاستعمار البريطاني على أيدي المهدي ورجاله من حركة اسلامية ذات بعد صوفي وذلك في السادس والعشرين من كانون الثاني 1885 بثت احدى الفضائيات العربية فيلما بريطانيا عن تلك الايام يشبه افلام رامبو, البطل الامريكي الذي يقتل في السينما العشرات بل المئات من رجال المقاومة الشيوعية في فيتنام, وذلك في تعويض سينمائي وهمي لما اصاب الغزاة الامريكان من خسائر فادحة على أيدي هؤلاء المقاومين (نصف مليون امريكي بين قتيل وجريح ومفقود واسير ومعتوه).
وبصرف النظر عن اكاذيب وذرائع المستعمرين كما فضحها ادوارد سعيد وكونراد في (قلب الظلام) فلم تكن (الريشة البيضاء) بدلالاتها الرومانسية هي ما يختصر الحملة العسكرية العدوانية البريطانية كما اراد الفيلم ان يقول, بل ذبابة زرقاء بكل دلالاتها غير الرومانسية واليكم حكايتها.
بعد صعود نجم المهدي وحركته في السودان والحاقه الهزيمة تلو الهزيمة بكل الجيوش الغازية من تركية وبريطانية وغيرها, قررت الامبراطورية البريطانية التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها في جهات الارض الاربع , تأديب هذا (البدائي) وربما اعادة الاعتبار لهيبتها بعد ان تمكن (بدائيون) من مسلمي افغانستان من ابادة كل الوحدات العسكرية البريطانية في معركة رهيبة عرفت بـ (مذبحة خيبر- نسبة الى الممر الجبلي الافغاني الشهير) وقيل وقتها ان جثث العسكر الانجليز ظلت معلقة للغربان اياما عديدة بعد ان توعد قائدهم بفعص الافغان كما يفعص الذباب.
وقد اختارت لندن لحملة الفعص الجديدة للمهدي ورجاله في السودان, افضل قواتها واوكلت هذه المهمة لواحد من ابرز قادتها العسكريين.
كان ذلك الضابط الكبير, هو غوردون الذي ذاع صيته في الصين بعد ان اخمد ثورة مسلحة ضد تجارة الافيون البريطاني فيها.
ولا احد يعرف لماذا استهل غوردون عهده الاسود بقتل ذبابة زرقاء حطت على انفه مرحبة على عادة الذباب الافريقي, كما يقال ثم قام بالاحتفاظ بها في مكتبه ربما في رسالة ذات مغزى عنصري كريه, كما فهم المهدي على الارجح, ولا تزال الذبابة موجودة مع سيفه ومسدسه في المتحف البريطاني, في اشارة عنصرية اخرى, ايضا.
ما حدث بعد ذلك, معروف للجميع او هكذا مفترض, فقد دخل المهدي في حرب ضروس مع عشرات الالاف من نخبة النخبة البريطانية ولم يخرج عسكري واحد منهم حيا بمن فيهم, غوردون نفسه, صاحب الذبابة.
(العرب اليوم )