الهيكلة والعدالة

- الخطوة الحكومية بإعادة الهيكلة للقطاع العام خطوة رائدة, كما أنّها خطوة مهمّة وضرورية, من أجل تكريس العدالة بين أبناء الشعب الأردني الواحد, وإزالة الفروقات المجحفة التي لا تستند إلى منطق إداري ولا إلى منطق العدالة الذي ينبغي أن نحتكم إليه.
خلال السنوات السابقة حدث خلل كبير, وشرخٌ عميق في النسيج الوظيفي العام, نتيجة التباين الواضح في رواتب ودخل موظفي القطاع الحكومي, أثار تساؤلات حقيقية وشكاوى عامّة من هذه الظاهرة المقلقة التي ربما يؤدي التغاضي عنها إلى استفحال هذا المرض ليشكل حالة من الثورة والعصيان, فنجد أنّ المؤهل نفسه يتفاوت في الراتب بين وزارة التربية, ووزارة الداخلية, وتباين كبير بين شخصين يحملان المؤهل نفسه, وتخرجا من الجامعة نفسها, فيكون راتب أحدهما ضعفي أو ثلاثة أضعاف راتب الآخر, ولربما الثاني يكون متقدماً عليه في الدرجة والكفاءة.
والأدهى من ذلك والأمرّ نشوء بعض المؤسسات المستقلة, التي توسعت في الآونة الأخيرة وتكاثرت مثل الفطر, ووضعت لنفسها كادراً من الرواتب الخيالية, الذي لا يقارن مع رواتب القطاع العام, فتجد راتب الموظف العادي في القطاع العام بعد خدمة طويلة يصل إلى (400) دينار, على سبيل المثال, ويكون راتب الموظف الموازي في مفوضية العقبة أو في مؤسسة مستقلة أخرى (2000) دينار أو أكثر.
الأصل والمنطق يقتضيان أن يخضع جميع موظفي القطاع العام في كل المواقع لكادر موحد, يكون مبنيّاً على المؤهل المعترف به من الدولة بشكلٍ محدد وواضح, مع بعض الزيادات التي تقتضيها الظروف الصعبة التي تكتنف العمل والتي ينبغي أن تكون منضبطة بمعايير دقيقة تنطبق على كلّ حالة مشابهة, ولا تفصل تفصيلاً لشخص معين وهيئة معينة. فمن يحمل شهادة الدكتوراه المعترف بها, يجب أن يحظى بالراتب نفسه أينما كان موقعه, سواءً كان معلماً في مدرسة أو مدرساً في جامعة, وهذا لا يلغي مبدأ الحوافز على تقارير الكفاءة إذا تمّ تطبيقها بنزاهة, ولكنّها يجب أن تبقى في حيّز المعقول.
هذا الكلام سيغضب عددا لا بأس به, من أصحاب الامتيازات, وأولئك الذين تعودوا على هذه المعاملة التفضيلية, ولكن الحق أحق أن يتبع, ويجب أن تخضع لمنطق العدل, وأن ترضى بالعدالة التي نتساوى بها, ولا يجوز التغاضي عنها في ظلّ المكتسبات الفردية. وهناك قلّة يزعجها منطق المساواة والعدالة, ولكن يجب الالتفات إلى أغلبية الشعب الكبيرة, ويجب القضاء على ظاهرة التفاوت الطبقي في الوظائف العامّة التي تؤدي حتماً إلى جملة من الأمراض المستعصية التي تتولد من المحسوبية والواسطة والرشوة, والظلم والتعسف في تطبيق المعايير والضوابط القانونية.
من هذا المنطلق يجب على الحكومة أن تشرع بتطبيق الهيكلة العادلة التي تراعي الواقع وظروف العمل وصعوبته, دون أن تلتفت إلى غضب بعض أصحاب المكتسبات التي ما حصلوا عليها إلاّ في ظروف غير عادلة وتشريعات متعسفة.
(العرب اليوم)