المصارف الإسلاميّة بين التقليد والإبداع

- لا شكّ أنّ فكرة "المصارف الإسلامية" فكرة رائدة وعلى غاية من الأهميّة في المجال الاقتصادي والاجتماعي للعالم العربي والإسلامي بوجهٍ خاص, وللعالم أجمع بوجهٍ عامٍ وشامل, وذلك لكون فكرة المصارف أصلاً تشكّل مرتكزاً أساسياً للاقتصاد المعاصر من كلّ الوجوه, لا يمكن الاستغناء عنها أو إهمالها.
وإذا كانت المصارف الإسلاميّة قد شكلت نافذة لدخول المنظرين في الاقتصاد الإسلامي لدخول حلبة المشاركة والمنافسة في التنمية والإنتاج وتطوير اقتصاديات الشعوب, فيجب أن تستمر المصارف الإسلامية في السير قدماً عبر مسارات إبداعية جديدة مشتقة من فلسفة الاقتصاد الإسلامي العميقة, ولا تكتفي بتقليد المصارف التجارية عن طريق النظر في تحويل جزء من الخدمات المصرفية الاخرى إلى خدمات مصرفية إسلامية شرعيّة. فهذا وإن كان محموداً, ويحقق جزءاً من مهمّة المصارف الإسلاميّة, إلاّ أنّ ذلك يشكل جزءاً يسيراً جداً من أهداف المصارف الإسلامية الكبيرة, والمهمّة التي لم تتحقق بعد.
بمعنى أكثر تفصيلاً ينبغي للمصارف الإسلامية أن تعمد إلى إبداع مجالات تمويل إنتاجي ضخمة, تسهم في تنمية المجتمعات تنمية حقيقية فاعلة من خلال "فلسفة المشاركة" بين رأس المال من جهة والجهد والفكر من جهاتٍ أخرى; لأنّ الناظر في أعمال المصارف الإسلامية يجدها تعتمد بنسبة كبيرة من أعمالها التي قد تصل إلى (80%) وزيادة في "المرابحة" التي تشكل بديلاً للقرض بفائدة, مع العلم أنّ "المرابحة" وإن كانت حلالاً في أصل العقد وشكله, إلاّ أنّها لا تقدم البديل التشاركي الذي يمثل جوهر فلسفة الاقتصاد الإسلامي, وهذا ينطبق على البدائل الأخرى المتبعة لدى المصارف الإسلامية مثل الصكوك والسندات الإسلامية, بدلاً من الصكوك والسندات الربوية, أو استبدال الفائدة بأجرة ثابتة, وربح محدد على الحوالات والوكالات والاعتمادات فهذا لا يكفي, ولا يعبّر عن مهمّة المصارف الإسلامية المأمولة في الإنتاج والتنمية وتوظيف الكفاءات ومحاربة الفقر.
إن الاقتصاد العالمي اليوم يتعرض لأزمات خانقة, وإشكالات ضخمة بحاجة إلى نظرة إبداعية جديدة, وفلسفة اقتصادية صحيحة, تستطيع توزيع الثروة والمال على شرائح كبيرة واسعة من سكان العالم, وتحارب الفقر العالمي المتزايد وتقضي على ظواهر استنزاف الثروة من عامّة الناس في أغلب شعوب العالم, لتنتقل إلى يد فئة قليلة, تحتكر الثروة والنقد, وتنتقل نحو الإنتاج الحقيقي وليس الوهمي.
إن المصارف الإسلامية مطالبة بفتح مجالات عمل جديدة مشتقة من "المضاربة" والمشاركة المتناقصة, والبحث عن أفكار جديدة بدلاً من تتبع المجالات المصرفية الاخرى بطريقة المعالجة والتصحيح الشكلي فقط, خاصةً في ظلّ التحولات العميقة التي تجتاح المنطقة والتي سوف تفتح الباب واسعاً أمام الإبداعات الاقتصادية الإسلامية, ويفتح باب الفرص الكبيرة أمام المصارف الإسلامية, فيما لو كانت قادرة على تقديم نظرية اقتصادية إنتاجية معاصرة جديدة, تستلهم روح الإسلام وفلسفته في التعامل مع المال.
(العرب اليوم )